jeudi 9 janvier 2014

إذا الشّعب يوما أراد الفشل




كتبت هذا النّصّ يوم تولّى العريّض أمر الحكومة ... وكان عنوانه : هل يشرب علي العريض هو أيضا من نهر الجنون ؟ ...
اليوم أجد مبرّرا لأعيد نشره ، ولكن مع تغيير بسيط في العنوان :

                        إذا الشّعب يوما أراد الفشل ...

كلمة : "الفشل" بكلّ صيغها ومشتقّاتها ، هي أكثر الكلمات تردّدا في محافل اللّغط السّياسيّ والإعلاميّ الدّائر منذ أشهر ، الكلّ يطلقها على الكلّ ( وخاصّة المعارضة على الحكومة ) ...  والغريب هو لهجة الغلّ والتّشفّي والتّلذّذ والشّماتة الّتي تُنْطَقُ بها ، حتّى لكأنّك أمام مخلوقات ساديّة يسكنها جوع ونهم مرضيّ لتقزيم الطّرف المقابل وتحقيره وتسفيهه .. كائنات ترقص على إيقاع الفشل طربا وتكاد تلحّنها وتغنّيها وهي تطلقها فتتطاير معها رغوة البصاق وتمتلئ الأشداق ، وتنظر إلى عيونهم فترى كيف تتقاطع نظراتهم لسماعها في زهو غريب ، وترى على الأفواه ابتسامة فاجرة تنطق بمكر فاض وغلب مظهر الوقار ، وتهتزّ الحواجب وترتعش الأكتاف .... 
الفشل ..الفشل ...الفشل ...
أيّ مفعول سحريّ لهذه الكلمة في تلك النّفوس جعلها تتنفّسها وتنام وتصحو وهي تهذي بها ، فإذا سألت أحدهم عن برنامجه يقول لك : " لقد فشلت الحكومة ومن ورائها حركة النّهضة ..." وإذا سألته عن الطّقس يجيبك : " لقد فشلت الحكومة ومن ورائها حركة النّهضة ..." وإذا انتحر شقيّ من الأشقياء ( الآلاف ينتحرون كلّ يوم في كلّ بلاد الله ، ولم نر مثل هذا التّوظيف الغريزيّ البدائيّ كما يحدث عندنا ..) يصرخ النّاعقون : " لقد فشلت الحكومة ومن ورائها حركة النّهضة ..." 
وإذا سألت أحدهم عن أسباب الفشل الكلويّ ، يجيبك جواب الخبير العارف أنّ الأسباب العميقة تكمن في "فشل الحكومة ومن ورائها حركة النّهضة "... وإذا فشل أحدهم على فراش الزّوجيّة سيرجع الأمر إلى " فشل الحكومة ومن ورائها حركة النّهضة .."
نحن إزاء رهْط من النّاس ِ ( جمع رْهُوطْ بالدّارجة ) يعبدون قيمة الفشل وينظّرون لها و يجعلون لها محاضن لتفريخ الإحباط واليأس والعجز والسّواد والعدميّة وقلّة الحيلة ، فأيّ قدَرٍ كتب على هذه البلاد أن تعاني ..؟؟
الحقيقة أنّه لو وضعنا معايير موضوعيّة وعلميّة للتّقييم ، ( معايير غير سياسويّة أو ايديولوجيّة أو مزاجيّة )لوصلنا إلى نتائج مختلفة تماما عمّا تنعق به جماعة " إذا الشّعب يوما أراد الفشلْ .."
التّقييم الموضوعيّ للفترة المنقضية يجب أن يخضع إلى المحدّدات التّالية : 
1 ) لا بدّ من جرد ميدانيّ موثّق للمُنجَزِ الحاصل خلال هذه الفترة سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا وأمنيّا ..
2) لا بدّ من مقارنته بما هو ممكن فعلا ( واقعيّا وسياسيّا ) ، وليس بما هو مأمول من طرف النّاس ، لأنّ الحاجيات المختلفة المشروعة المتراكمة منذ عقود ،  لا يمكن أن تتحقّق خارج قوانين الفيزياء والاقتصاد والتّاريخ وشروط الزّمان والمكان مهما خلصت النّوايا وصدقت العزائم ..
3 ) لابدّ من فهم وتشخيص حقيقيّ للوضع الميدانيّ الدّاخليّ اقتصاديّا واجتماعيّا وأمنيّا في ظلّ الحالة الثّوريّة وللوضع الدّوليّ المؤثّر وانعكاس كلّ ذلك على نسق الفعل داخل البلاد 
4 ) لابدّ من تقييم المنجز في إطار الإمكانيّات التّقنيّة والمادّيّة واللّوجستيّة المتوفّرة ، والقدرات المفترضة على التّعبئة ..
5) لا بدّ من تحديد المعيقات الإداريّة والقانونيّة والمعيقات السّياسيّة والاجتماعيّة المرتبطة بحالات التّجاذب السياسيّ والتّمرّد النّقابيّ المطلبيّ الحاصل بعد الثورة 
6 ) لا بدّ من تقييم محايد للسياسات والأداء الحكوميّ في معالجة كلّ ما سبق ذكره والتّفاعل معه 
7) لا بدّ من تقييم دور الأحزاب السّياسيّة والنّقابات ومنظمات المجتمع المدنيّ في الفترة الماضية ، ومن خلال ذلك تتحدّد نسبة مشاركتها في النّجاح أو في الفشل ..
هذه هي الشّروط الضّروريّة لأيّ تقييم علميّ موضوعيّ  ، أمّا ما نسمعه طول الوقت من أحكام فضفاضة مزاجويّة شعبويّة ، فلا تعدو أن تكون لغوا وضرطا ونباحا هستيريّا لكلاب جائعهْ ...
لكنّنا للأسف .. لا نستطيع أن نعكس مجرى نهر الأكاذيب والأباطيل مهما كانت قوّة المنطق والحجّة والمنهجيّة ، لأنّ الإعلام في عصرنا هو من يصنع الحقائق ويحشو بها الأدمغة ويوجّه بها الأحداث ..
إنّها الحكاية القديمة الجديدة .. حكاية " نهر الجنون " ، ما حدث مع الجبالي هو ما حدث للملك في رائعة توفيق الحكيم " نهر الجنون " ... وأرجو أن لا يضطرّ علي العريّض لأن يشرب هو أيضا من " نهر الجنون " ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد اللّطيف علوي

Aucun commentaire: