samedi 17 août 2013

وكان صديقي ... عبد اللطيف علوي قولاً ... وسيف الدين علوي ردّا



لم نكن يومها طائرين على موعد للغناءِ ...
حزينا تركته قبل اكتمال الصّباح على باحة المعهد الثّانويّ ،
وأفريلُ يطفئُ آخر نرجسة في طريقه ..
كان هنالكَ أكثرُ من سبب للكلامِ ،
وأكثرُ من سبب للبكاءِ ...
توقّفتُ ، لم يلتفتْ .. ثمّ مرّ كما السّيف ما بين ضلعينِ،
- ألقاك يا صاحبي في المساءِ ..
وغمغم في سرّه القلبُ قبل الرّحيلِ،
- أجل .. ربّما ، في المساءِ... إذا شيء لي... يا صديقي
وكانَ صديقِي ..
وكانتْ طَريقُ الحَريرِ تَمُرُّ على بابِ قَلْبِهِ ، كانتْ طَريقِي ..
وكنّا نحطّ كفرخيْ يمامٍ على حطب الغرباءِ ،
ونعلو ونسفلُ ، 
منْ دُونِ أرْضٍ تلقّفنا أَو سماءِ
وكان صديقي ..
وكانَ يُحِبُّ رُكُوبَ المُحالِ ..
و يَعْشَقُ كلَّ النِّساء كما تعشق الرّيح كلّ الجبالِ ..
وَيَعْشَقُ أُمَّهُ والأخواتَ الثَّلاثَ ،
ويَخْجلُ من صَبْرِهِنَّ ومن صَمتِهِنَّ إذا طالَ
قبلَ السُّؤالِ ... وبعدَ السُّؤالِ ..
ويَعْشَقُ من دونِهِنَّ الّتي تتفتَّحُ في رِئَتَيْهِ كَزَهْرِ الأَرَنْجِ ،
وتغشاه كالموتِ بينَ الزَّفيرِ وبينَ الشَّهيقِ ...
وكان صديقي ...
تدُورُ رحى الصّيفِ عامًا فعامَا
وفي الصّيفِ تَغْسِلُ بلطَةُ أقمارَها قمرًا قمرًا ..
وتُلَمْلِمُ أحجارَها حجرًا حجَرًا ..
وتحدّث أخبارها أنَّ للأَولِياءِ من الصّالحين مَقامَا
وللرّاكِبين على دُبُرِ الرّاكبين مقامَا
وللشّعَراءِ إذا سقطوا في المقامِ مَقَامَا...
وفي الصّيفِ تَعْرفُ بَلْطَةُ أبناءَها العائِدينَ يجُرُّون شوقا ذليلا
يذيبون أحزانهم في عيون عجائزها الزّاهداتِ
يهزّون جذع الأماني إليهم ،
فيسّاقط العمرُ منها حطامَا ...
وَيَبْقَونَ حتّى تَغِيضَ العُيُونُ وتَحْبلَ زوجاتُهُمْ ،
ثمّ يَمْضُونَ ظلاًّ كسيرًا تُطوِّحُهُ الرّيحُ مهما استَقَامَ
تدُورُ رحى الصّيفِ عامًا فعامَا
وَيَقْطَعُني صاحبي مثلَ سيفٍ مُضِيءٍ ،
ويطلق في الرّوح درويش والمتنبّيَ
يطلق فيروزَ أو أَسْمهانَ ، وعبد الوهابِ ونورَ الهُدى ..
يتذكّرُ " فَعْلَةَ "بينَ انْفِلاتِ النّشيجِ ورجْعِ الصَّدى ..
وحدها كان يُمْكِنُ أن تتبرّدَ في ماءِ عينيهِ دون احتراقِ ..
وقاسيَةٌ وحدها..
كان يمكنُ أن لا تُصِيبَهُ ثانِيَةً بعد عشرينَ عامَا
وأن تتَرفَّقَ في قتلهِ ساعةً ساعَةً...
يتحسّسُ في الجيبِ سيجارتَيْنِ ،
فليسَ يُدخِّنُ إلاَّ لِمامَا...
وَيُبْكِيهِ ما يُضْحِكُ الآخرينَ ، السُّقُوطُ المُفاجِئُ،
رَكْضُ الأَرانبِ مذعورةً بين أَقدامِهِمْ ،
وغِناءُ المَساطِيلِ أو رَقْصُهُم في المواكب ،
تُبْكِيهِ نوّارةُ الشَّوكِ في كَعْبِ عائِشةٍ ..
فَيَمُدُّ إليها يدًا تَلْعنُ الماء والخبزَ
والصّابرين على دمعِهِمْ كاليتامى
تدُورُ رحى الصّيفِ عامًا فعامَا .....
وترحلُ بَلْطَةُ عنّي فأرحلُ عنها ..
تَضيقُ كَرَحْمٍ هجِينٍ ،
وتلفُظُنِي قبل أن أشتهي موتةَ الأنبياء على صدرها ...
قبل أن أتألّه في حبّها أو أُلامَ ...
ويذكرني السّاهرون بخيرٍ .. بمِلْيون خيرٍ :
لقد عاشَر الجِنَّ منذ صِباهُ وجاء بسحرٍ مُبينٍ ،
فلا تشرَبوا من يديهِ ،
وجُرُّوه إن عاد من كتِفَيهِ ،
وصبّوا الرّماد على مقلتيهِ ،
لكي لا يرى النّورَ إن بان فجره إلاّ ظلامَا ..
تدُورُ رحى الصّيفِ عامًا فعامَا .....
و يَكتهِلُ الطِّفْلُ في طرقاتِ المدينةِ، ثمّ يَشِيبُ
ويَنْشَفُ قلبُهُ مثلَ الجريدَةِ .. يَهْجُرُهُ الشّعرُ عشرين عامَا
كأنّهُ ما طاولَ النّجْمَ يومًا
وَ لاَ عَرَّشَتْ فوقَ كَفَّيْهِ رِيحُ الخُزامَى
وَ أنظرُ حولي ..أرى صاحبي عالِقا في رمال القصيدةِ ،
تُدْنِيهِ حينًا وتُرْخِيهِ ،
تحييه حينا و تفنيه
أَهْفُو فيَجْفُو وأجْفُو فَيَهْفُو ..
و يرجع أفريل ، ..يرحل أفريل للمرّة الأربعين
ونبقى وحيدين يا صاحبي كالفراشة... ،
نبحث عن ظلّنا في الحريقِ ...
وكان صديقي ...
                                 عبد اللطيف علوي



ويردّ سيف الدين علوي


أجلْ،مثلَما أسلَفَ النصُّ يرشُقُني بحنين البداياتِ
يفتضُّ رافد بوْحٍ ضنينٍ،
أردِّدُ:
كانَ حميمي الظَليلَ... وظلَّ...
سأسْرِدُ إنْ أسْعفتْني التفاصيلُ
مِنْ سيرة الطُّهْرأو لوثة ِ العُمْرِ فصْلاَ
أجلْ ، بيْننا مِنْ حريقِ الحَكايا
حكاية ُ شِعْرٍ وعرْشٍ
ونستفُّ إذّاكَ مِنْ سافياتِ الفجيعةِ تبْنا ورَمْلا
.وأذكُرُ أنّا عرفْناه يغْشاهُ عِشْقٌ ضريرُ
فيحطِمُ مِنْ شُحْنة ِالكبْرياءِ الجريحةِمِشْكاة َ قلبِهِ
إنْ شحَّ ضوْءُ المودّةِ
أو غاضَ عنها الخريرُ
.كأنّي أراهُ يلوذُ بأحزانَهِ البِكْرِ
يمتاحُ نزْفَ الفؤادِ
و يلْعقُ في سِرِّهِ الصّبْرَ نصْلا
وكنتُ أسمّيه ِيصْرَعُهُ الوجْدُ ابْنَ المُلوَّحْ
فيغْضبُ حينا
وحينا يُمازِحُني بِنشيجٍ مُجَرَّحْ:
"ولسْتُ أباه ولسْتُ الحفيدَ،
ولكنّني وَلِهٌ بالهوى والهيام أفيضُ وأطْفَحْ
وكأسُ الغرامِ تدورُ بِنا وعليْنا
فإنْ بُكْرة ً أسْكرَتْني
فـــعِنْدَ الأصيل تكونُ المُرَنَّحْ
ويغْتالُكَ الشوقُ لَأيا فلأياً
ولنْ تُلْفي إلاّيَ في العطْفِ خِـلاَّ "
.كأنّي أ ُصيخُ لِنجْواهُ في أذُنيَّ
ونحْنُ على مقْعدٍ مِنْ حريرِ الظلامِ،
على زفرةٍ في وثيرِ الفراغِ:
كَنيْتُ الحبيبة َرُخّا*
وعنْقاءَ أجعلُها في رماد الحشا
لاضطرام الحشا
وللظِلِّ شمْساً وللشمسِ ظِـلاَّ..
ويكْتُبُهُ النص إذّاكَ:
{أطْفئْ جهنّمَ أشتعلْ
ألأنَّ بابَ اللّه أقربُ مِنْ يديَّ إلى يديَّ
وطِفْلة ً تَعْرى حياء ًلم أصِلْ
ورأيتُها بأصابِعي،
فأمتدَّ من تحت الأظافرِ حارسُ الموْتى
وشرّدني جميعا في دمي....*}
ويكْتُبُه النصُّ،
قدْ أثّثتْهُ حوامِضُ أيّامِنا
والمراراتُ
والمِلْحُ والورْدُ والثّلْجُ
والوالِدان وأمّي وأمُّهْ
وشيْءٌ مِن الوعْيِ و الإيديولوجا
وريمٌ وزيْنبْ.
صديقي شبيهي المُعَذَّبْ
أراكَ تساءَلُ عمّا تمزّقَ في الحلْمِ مِنْ عُمْرِنا
وعمّنْ يُطرّزُ أكبادَنا والرئاتِ
بمليونَ مِخْلَبْ
وعمّنْ يُكيِّفُ بهجة َ أيّامِه العاريهْ
بإيجاعِ أيّامِنا
ويَضْبِطُ إيقاعَ نشوتِهِ الخاويهْ
على وتَرٍ من كَمَنْجاتِ حرْمانِنا
وتُحْصي على مَهَلٍ
مِنْ مَهاوي المشانِقِ حبْلا وحبْلاَ
وتنفُضُ حدَّ المقاصِلِ مصقولة ًنحْوَنا تتدلّـَى.
صديقي أخي وشبيـــهي
مسافة ُ تـيـهِـكَ تيــهي
أتذْكُرُ قَوّادَ قرْيتِنا؟
لقدْ شاخَ في آخِرِ العُمْرِ،شابْ
وبَـعْدَ الخطايا اهْـتَـدى وأنابْ.
عساكَ نَـسِيتَهُ في زَحْمة ِ الطّمْيِ والرّمْيِ
أو تَـنَاسَـيْتَ زلاّتِـه العاهرهْ،
تَرحَّمْ على توْبةٍ رُبّما طاهرهْ
وقُلْ قرْيتي مثْل جيكورَ طيّبة ٌ
أو كَصَعْرةَ* ملعونة ٌ ماكرهْ
وقُلْ فائِتي المُرُّ ما فاتَـنني،
وقدْ أفْـــلتَ مُسْتَقْبَلي وهو أحْـلىَ
.كأنّي أراكَ تـقولُ:
غداً يَقْصُرُ
"المـــاردُ" القَزْمُ في قريتي
ونمتدُّ نحْنُ نـطولُ
غداً يملؤونَ سُـفُوح الزّمانِ
ونَــصْعَدُ فيه
بعيــدا
وأعْـلـَـى
                      سيف الدين علوي

Aucun commentaire: