mercredi 28 août 2013

أين الحقيقة في مؤتمر : "كشف الحقيقة" ؟؟




ملاحظات أوّليّة :
ملاحظة أولى :  رموز تنظيم أنصار الشّريعة ، صرّحوا في أكثر من مناسبة أنّهم يستلهمون فكر القاعدة ، و يتّبعون نهج بن لادن في فرض "شرع الله ومقاومة الطّاغوت "... فلا بطولة إذن لمن يدّعون الدّفاع عن هذا التّنظيم بنفي هذه المعطيات جملة وتفصيلا ، فهم هنا كالمحامي الّذي ينفي ما يصرّ عليه المتّهم نفسه في اعترافاته
ملاحظة ثانية : طبيعة هذه الحركات الجهاديّة تقوم على الاستعداد ، اللّوجيستيّ والمادّي (في قراءتهم الخاصّة لـ "وأَعِدُّوا "... ) للمرحلة المتقدّمة من الجهاد ، بعد مرحلة الجهاد الدّعويّ ، وهنا نتذكّر التّصريح المتكرّر لأنصار الشّريعة : تونس مازالت "إلى الآن" أرض دعوة وليست أرض جهاد ... وهنا وجب التّسطير بالأحمر تحت إلى الآن ، يعني أنّ مسألة المرور من مرحلة إلى أخرى هي مرحلة تمشّ ونضج للظّرف العامّ ... ومن هذا المنطلق ، يصبح من الطّبيعيّ والبديهيّ أن يتجهّز أنصار الشّريعة لهذه المرحلة القادمة المفترضة بالسّلاح والتّدريب وكلّ ذلك ...
ملاحظة ثالثة : "أنصار الشّريعة" لم تعترف أبدا بشرعيّة الدّولة التّونسيّة القائمة ، بكلّ سلطها وقوانينها ومؤسّساتها ، ولا أدلّ على ذلك من رفضها ذات يوم لمبدإ الاسترخاص لإقامة مؤتمرها ، ونذكر كلّ ما حدث بعده .. من الطّبيعيّ إذن أن نؤسّس على ذلك جملة ما يأتي من استنتاجات و سيناريوهات ممكنة لتعامل هذه الجماعة مع الدّولة ، بقوّة الاستدلال وقوّة التّرابط ، حتّى إذا عدمنا الحجج القانونيّة والواقعيّة لهذه الاتّهامات ..


        لكن  رغم كلّ ذلك تبقى الأسئلة الّتي تثيرها النّدوة الصّحفيّة التي عقدتها وزارة الدّاخليّة اليوم بتاريخ 28 / 8 / 2013 أكثر بكثير من أيّة حقائق يمكن أن تكون قد قدّمتها ، أوّلا لأنّها لم تبرّر العلاقة التي أقامتها بين جملة من الوقائع والوسائل المقدّمة ، وبين الهدف الاستراتيجيّ لهذه الجماعة وهو الاستيلاء على السّلطة ، وثانيا لأنّها لم تفسّر التّقاطعات الواضحة بين هذه الوقائع وبين التّجاذبات السّياسيّة الّتي عاشتها بلادنا طيلة هذه الفترة ... يعني أنّ الدّاخليّة تقدّم لنا جملة من "الحقائق" تريدنا أن نسلّم بها دون أن نربطها بتفاعلات المعترك السياسيّ في تونس  
-       أوّلا : مسألة الاستيلاء على السّلطة هي تهمة قديمة بلا أذرع ولا أرجل ، فهل نتصوّر أنّ هذا التّنظيم يخطّط لتنفيذ هذا الأمر بعدّة أسلحة يدويّة : كلاشينكوف و بنادق آليّة ومجموعة حواسيب هنا وهناك وهواتف محمولة .. كأنّه هجوم على قبيلة وليس على دولة بجيشها وأمنها وكلّ مقوّماتها ، كما أنّ هذا الهدف الاستراتيجيّ لا يمكن أن يفسّر وقائع محدّدة كاغتيال شخصيّات معيّنة من حساسيّات معروفة
-       ثانيا : تنظيم أنصار الشّريعة ليس معنيّا بالتّجاذبات السياسيّة على السّاحة ، فلماذا قتل البراهمي بالذّات ، وماهو وزنه السياسيّ أو درجة عدائه لهذا التّنظيم ، ولماذا قرّر استهداف شخصيّات أخرى ليس من ضمنها أيّ مسؤول في الدّولة ؟ ألم يكن من الأنسب أن يستهدف شخصيّات رسميّة كعنوان لاستهدافه للدّولة الّتي يريد إسقاطها ؟
-       ثالثا : لماذا تقاطعت هذه الاغتيالات مع مناسبات محدّدة طرح فيها مشروع قانون تحصين الثّورة بقوّة ، ولماذا قفزت مباشرة بعد هذه الأحداث قوى محدّدة واستثمرتها في كلّ مرّة لأهداف سياسيّة واضحة لا لبس فيها : وهي إسقاط الشّرعيّة و تجريم النّهضة و إلغاء المسار الانتقاليّ برمّته .. يجب أن نتصوّر تنسيقا عجيبا بين أنصار الشّرعيّة كأداة تنفيذ ، وبين أعدائها المفترضين الّذين تستهدفهم بالاغتيال ( التّجمّع واليسار خاصّة ) كأداة تخطيط ... خاصّة أنّنا لاحظنا أنّ هذه القوى لم تكن فعلا قد فاجأها لا الاغتيال الأوّل ولا الثّاني  ... بدليل أنّها في كلّ مرّة تخرج علينا في جاهزيّة غريبة واستعداد تامّ تمرّ مباشرة إلى تنزيل مشروعها الجاهز بكلّ تفاصيله وشخوصه وتحالفاته ..
-       رابعا : بعد المأساة المصريّة ، اكتشف البعض منّا وتأكّد البعض الآخر ، أنّ جهازي الدّاخليّة والجيش  في مصر لم يتغيّرا قيد أنملة عن عقيدتهما السّابقة : وهي الولاء التّامّ لنظام الاستبداد ... بل تأكّد أنّ كلّ المؤامرات الّتي عاشتها مصر طيلة حكم مرسي كانت من تدبير المخابرات العسكريّة ، والأمثلة هنا لا تحصى ( يكفي أن نذكر أحداث ماسبيرو ومجزرة مشجّعي الأهليّ وعدم تفعيل حالة الطّوارئ و حالات الانفلات الأمنيّ حتّى توّج الأمر بالانقلاب على الشّرعيّة وإعادة مصر إلى بيت الطّاعة الدّوليّ ) فما الّذي يضمن أنّه ليس لدينا نحن أيضا لوبيّات داخل الأمن والجيش تريد أن تمارس نفس الدّور ، فتغطّي على قوى معيّنة مضادّة للثّورة داخليّة وخارجيّة ، و في نفس الوقت تورّط حركة النّهضة في حرب بالوكالة ضدّ أنصار الشّريعة ، لا يربح فيها إلاّ من بنى استراتيجيّته على ضرب القوى الإسلاميّة ببعضها ، تماما مثلما وقع في مصر ووضع حزب النّور كرأس حربة في مواجهة الإخوان ..
    خلاصة الرّأي أنّه يحدث في علم الرّياضيّات أحيانا أن ننطلق من معطيات صحيحة ، لكنّنا نصل بها إلى نتائج خاطئة ... والمعطيات الصّحيحة الّتي قامت عليها النّدوة الصّحفيّة ، أو الّتي صدّرت بها هذا المقال في شكل ملاحظات أوّليّة ، لا ينبغي أن تكون غطاء للتّعمية على معطيات أخرى تتداخل معها و تدفع بها وتستفيد منها في رسم ملامح الوضع السّياسيّ والأمنيّ في المرحلة السّابقة ... ومادامت السّلطة القائمة تصرّ على أن تقدّم لنا الحقيقة في شكل جرعات أو مشاهد مجتزأة ، فإنّ الحقيقة الّتي قدّمها مؤتمر " كشف الحقيقة " تدفعنا أكثر لأن نبحث عن حقائق أخرى تكمّلها ، في مكان مّا وراء السّتار.


ـــــــــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي

lundi 26 août 2013

ALOUI ABDELLATIF عبد اللّطيف علوي: التّفويـــــــــــــــــض !!! أو : لم يكن لي عدوّا لكي أحذَرَهْ .!!

الغنّوشي على خطى امرئ القيس


وقد طَوَّفْتُ في الآفاقِ، حَتَّى      رَضِيتُ من الغَنِيمةِ بالإيابِ
***************************
     لم يكن لامرئ القيس وهو يستمع إلى الغنّوشي في اللّقاء الحدث على قناة نسمة ، أن يجدَ أبلغ من هذا البيت ليشاركنا به توصيف ما يحدث ، .. فالغنّوشي فعلا قد ترك الغنيمة تركا مبرما ، ولم يعد يفكّر إلاّ في الإياب : والإياب هو إنجاح مسار الانتقال الدّيموقراطيّ ( حسب فهمه هو لمفهوم النّجاح : يعني الوصول إلى الانتخابات القادمة ، وفق أيّ شروط ؟ لايهمّ .. ) أمّا الغنيمة ، فلم تكن منذ البداية هي كرسيّ الحكم ، الغنيمة في عرف الثّوّار كانت أن تفعل حكومة الثّورة ما تستطيع في محاسبة الفاسدين ، وأن تقتصّ للشّهداء و أن تعبّر عن روح الثّورة في سياساتها وقراراتها وأن تؤسّس لحياة سياسيّة يكون الشّعب فيها سيّد قراره ..
     ما حدث منذ 23 أكتوبر يمكن أن نلخّصه في أنّ النّهضة – إذا جاز لنا أن نعتبرها هي المحدّد الرّئيسيّ للائتلاف الحاكم – كانت تصرّ دائما على خوض كلّ المعارك ، وتصرّ دائما على أن تخسرها حين تجتمع كلّ الظّروف لكي تربحها ..
    نذكر معركة التّنصيص على أن تكون الشّريعة مصدرا من مصادر التّشريع في الدّستور ، وكيف تمّ الحشد والتّجييش وتعبئة الرّأي العام لما يزيد عن شهرين ، و بعد أن استقوت بالآلاف ذات يوم أمام التّأسيسيّ لمساندة هذا الخيار ، وهيّجت تبعا لذلك السّلفيّين والرّاديكاليّين ، يفاجئنا الغنّوشي بأنّ الفصل الأوّل من الدّستور كاف وأنّ تونس دولة إسلاميّة بطبعها ولا تحتاج إلى أسلمة ..
     نفس الشّيء حدث يوم اختارت الحركة المواجهة مع الإعلام الفاسد ، وكلّنا نذكر قائمة زيتون السّوداء وحملة اكبس ومئات الآلاف الّذين احتشدوا في القصبة ... ونذكر معركة وزارات السّيادة ومليونيّة نصرة الشّرعيّة الأولى في الشّارع الأكبر ، ونذكر ما حدث بعدها ، وأخيرا لم يطل بنا العهد عن مليونيّة نصرة الشرعية الثانية في القصبة ليلة 3 أوت ، وكان الجميع يظنّون أنّه لم يبق على الجميع سوى الإصغاء لصوت الشّعب لمواجهة الانقلاب وإجهاض مسار الرّدّة
    العنوان الأكبر للمعركة الخاسرة التي خاضتها النّهضة طيلة سنتين هي قانون تحصين الثّورة وتعاملها مع نداء تونس ... بعد أن دفعت تكلفة سياسيّة باهضة منذ طرح هذا القانون ، وبعد أن أقنعت كلّ قواعدها بأنّه مسألة حياة أو موت بالنّسبة للثورة وبعد أن كان تصنيفها لنداء تونس واضحا ومباشرا بأنّه مجرّد ماكينة لإعادة إنتاج النّظام القديم وبأنّه حزب لقيط هجين ... يأتي اليوم راشد الغنّوشي ، ليسقط كلّ شيء في الفراغ ، في مشهد أقرب مايكون إلى التّراجيديا السّاخرة ، والحجّة كالعادة عنوان كبير مثير يجلب التّصفيق من الأنصار : الدّهاء السياسي والضغوطات والسيناريو المصريّ والروز بالفاكية إلخ ...
     صار للنّهضة همّ واحد ... أن تصل إلى الانتخابات .. وفي الطّريق إلى ذلك تضحّي بكلّ شيء ، طيّب ، ربّما هذا الهدف الاستراتيجيّ العظيم يستحقّ كلّ ذلك .. لكن في مقابل ماذا ؟؟؟
-       في مقابل أنّ النّهضة قد شرّعت بذلك لأسلوب جديد في السّياسة سيظلّ يحكم البلاد لفترة طويلة : أسلوب الاغتيال كوسيلة لتحقيق الأهداف السّياسيّة والابتزاز الرّخيص الّذي ثبتت جدواه في كلّ مرّة .
-       في مقابل تركيز ثقافة جديدة : ثقافة استبداد الأقلّيّة وتقريرها لمصير البلاد بعيدا عن الحجّة والقانون و القبول الشّعبيّ ..
-       في مقابل الادّعاء بشرعيّة شكليّة لم تحكم يوما طيلة الفترة السّابقة لكنّها تحمّلت عنها كلّ المسؤوليّة السياسيّة المدمّرة
-       في مقابل السّماح لا فقط بتغلغل الدّولة العميقة ورموز الفساد في مفاصل الدّولة أكثر فأكثر ، بل بخروجها إلى العلن لتصبح اللاّعب الصّريح المباشر ..
-       في مقابل ارتهان الدّولة لمنظّمات مهنيّة صارت تعرف كيف تتحالف في اللّحظات المناسبة لإسقاط خيارات أيّ سلطة وإفراغها من محتواها ..
-       في مقابل خوض انتخابات كاراكوزيّة أخرى بنفس القانون المَعَرَّةِ وتشكيل مشهد سياسيّ آخر قادم يحمل نفس العبثيّات الرّاهنة ..
-       في مقابل وضع الشّعب أمام مصيره : يعني النّزول إلى انتخابات سنلعبها بشرف ونزاهة ، في حين أنّ شركاء المخلوع سيلعبونها بالمال الفاسد والرّشاوي و كلّ الأساليب القديمة ..
-       وفي مقابل أن تترك النّهضة تاريخها وراءها ، كحركة تقوم على المبادئ لا على التّحالفات المشبوهة والتّغيّر الدّراماتيكي في المواقف .. وهذا هو الرّصيد الأكبر الّذي يمكن أن يخسره أيّ حزب ... المصداقيّة
-       والأتعس من كلّ ذلك : من يضمن أنّ هذه الحكومة التكنوقراط المحايدة الّتي ستشكّل بمناسبة الانتخابات ، والتي قد تمتدّ فترة حكمها لأشهر ، من يضمن أنّها ستبقى محايدة ، وأنّها لن تخضع لضغوط أخرى في تلك الأثناء للانقلاب على المسار برمّته ، وأنّها ستفلت من الحقل المغناطيسيّ للدّولة العميقة وللدّراكولا الايديولوجيّ الاستئصاليّ ... من يضمن للغنّوشي وإخوته الطّيّبين المتسامحين المناورين أنّ السّحر لن ينقلب عليه ، وأنّ تلك الحكومة لن تقلب الطّاولة على الإسلاميّين وتعيد تهيئة الرّكح العربيّ لعودة عصور الرّعب القريبة ؟؟؟
ملخّص الحكاية ، أنّ الفكر الإخواني البعيد عقديّا عن الرّهان والمقامرة ، يلعب اليوم في تونس بعقليّة المقامرة بكلّ شيء .. في سبيل شيء واحد هو كلّ ما بقي لنا من الثّورة : الوصول إلى الانتخابات ...
ـــــــــــــــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي


                                                                                                       

vendredi 23 août 2013

لاَ شيءَ يا قلبي جديرٌ بالنّدَمْ

لاَ شيءَ يا قلبي جديرٌ بالنّدَمْ ..
لم يترُكوا لي حُجّةً تكفي ولا سببًا لأحزنَ بعدهمْ 
كلُّ الّذين تراقصوا - قبل السّقوطِ - على بساطِ الرّوحِ كانوا نزوةً ، 
ومضتْ بما تحتاجُ من حبرٍ ودَمْ ..
لاَ شيءَ يا قلبي جديرٌ بالنّدَمْ ..
الأصدقاءُ وهم قليلٌ ما بَقُوا ..
تركوا حقائِبَهُم بلا أسمائِهِمْ وتفرّقُوا
لم نتّفِقْ حول الكثير من التّفاصيلِ الحميمةِ : 
مَن يمُدُّ يديهِ قبل أخيهِ ، من يبكي لغيبتِهِ ، 
ومن يُلقي التّحيّةَ أوّلاً ..
مَن يملأُ السّاعات من شجَنِ الحديثِ إذا التقينَا ..
مَن يكابرُ إن بكيْنا ، 
من يَعِفُّ عن الملامةِ حينَ يُظْلَمُ ، والعتابِ .. 
وكيفَ يرحمُ إنْ ظَلَمْ ..
لاَ شيءَ يا قلبي جديرٌ بالنّدَمْ ..
لمَ عدتَ تبحثُ  في البداهاتِ المُريبةِ عن يقينٍ  : 
هل تَعبتَ من السّفرْ ؟ 
هل عشتَ ما يكفِي لتحملَ كلَّ أحزانِ البشَرْ ؟
الأربعونَ مضتْ بلا أثرٍ ولم تُلْهِمْكَ منها حكمةً..
وكذلك العشرون زاغَتْ كانفِلاَتِ الرّمْلِ بينَ أصابعِي 
كرمادِ مِبْخَرةٍ على الشّبّاكِ  ..
يسكنُها الضّجَرْ ..
لمْ يبقَ غيرُ يدٍ مُبلّلةٍ بأوهامِ الطّفولةِ و المطرْ
كانتْ لأمّي سيرةُ العذراءِ ،
 لمْ ترَ في الزّحامِ سوى وجوهِ الصّالحاتِ ،
وكنتُ أسمعها تدندنُ خلفَ مِنْسَجِها القديمِ ، 
فأنْتَشِي حدَّ البكاءِ
وكانَ لي شيءٌ من السّحْرِ المُقَدَّسِ في تمائمِها الخفيّةِ دائِمًا 
وكأنّها تُصْغِي لأجراسِ القَدَرْ
لم تكترِثْ يومًا بألسِنةِ المَشِيبِ أو التّجاعيدِ الكثيرةِ ،
وهي تزحفُ فوقَ هامتِها ببطْءٍ كالرّمالْ ..
مازلتُ أذكرُ يومَ أخطأتُ الطّريقَ وعضّنِي كلبٌ فأثخنَ في يدي
ورجعتُ أبكي فوق ركبتِها و أمسِكُ ساعدِي
نظرتْ إليَّ بقسوةٍ فيها الدّلالْ ..
- قدْ قلتُ : لا يبكي الرّجالْ 
واليوم يا أمّي مضى زمنٌ طويلٌ عنْ حكاياتِ الصِّبَا لكنّني ..
مازلتُ لم أفهمْ تماما : كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
هلْ تُدركينَ و نحنُ مِسْخٌ في بلادِ القهرِ 
معنى أن تكونَ " إذا نزلتَ بِدارِ ذلٍّ " لا تَلِيها "فــارْحَلِ " 
هلْ تدركينَ بأنّنا منذ الولادةِ ينبتُ العُلِّيقُ في أفواهنا 
ونصيرُ شيئًا تافِهًا مثلَ الغسيلِ ، معلَّقًا فوق الحبالْ
كيفَ لا يبكي الرِّجالْ ؟؟
ومنِ الّذي يبكي إذنْ إن كان لا يبكي الرِّجالْ ؟؟
مَنْ أُجهضَتْ أحلامُهم وتكسّرتْ خلفَ المرايا مثلما شرفُ الصّبايا ... 
كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
من يزهدونَ كأنبياءٍ في أراجيح الطّفولةِ أو حماقاتِ الشّبابِ 
و يحلمون بجنّةٍ للصّابرينَ هنا على هذا التّرابِ 
و يعزفونَ و ينزفونَ و يحفظونَ الشّعرَ عن وطنٍ يُضيءُ قبورهمْ ..
لكنّهمْ يستنزفونَ العمْرَ في زنزانةٍ منسيّةٍ 
محفورةٍ ما بينَ أرحامِ الجبالْ 
كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
عندمَا يستيقظُ الأطفالُ قتلى في حجورِ النّائحاتِ 
ويسألونَ بِأيِّ ذنبٍ ؟ .. أيِّ ذنبٍ ؟ ... يرحلونْ ؟
ويزحفونَ على الرّمادِ إلى صدورِ الأمّهاتِ 
لكنّهمْ مَفْجُورةً يجدونَها تحتَ الرّكامِ تكسّرتْ فيها النّصالْ 
كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
في حضرةِ امرأةٍ تُعِدُّ لهُ السّلاحَ و معطفَ السّفرِ الأخيرِ 

في آخر اللّيلِ القتيمِ تدورُ في رأسي عقاربُ ساعةٍ مَعْطوبةٍ للخلفِ ، 
أقرأُ سورةً أو سورتينِ وأستعيذُ منَ الشّياطينِ وزُوّارِ الظّلامْ 
عبثاً أحاولُ أن أنامْ 
أتحسّسُ الأشياءَ حولي مثلَ طفلٍ خائفٍ تتراقصُ الأشباحُ حولهُ وهو ينتظرُ الصّباحَ فلا يجيءُ 
و لايطاوعُهُ الكلامْ 
صورٌ تعشّشُ في مرايَا الصّمتِ  ، تشْربُ من ظلال الخوفِ ،
عاما تلوَ عامٍ تلوَ عامْ
تتكدّسُ الأشلاءُ في أرجاء ذاكرتي كبَيْض النّملِ ، 
أطلقُ صرخةً من شارعِ النّسيان  آهٍ منكِ يا شامُ ..!! 
فأسمعها تجلجلُ في بيوت القاهرهْ
آهٍ وآهٍ ثمّ آهٍ منكِ يا أمّ الدُّنى يا قاهرهْ !!
ماذا قهرتِ سوى بنيكِ الطّيّيّبينْ ؟!!
القابضينَ على ترابِكِ مثلَ جمرٍ ليسَ يبرُدُ منذُ آلافِ السّنينْ 

mercredi 21 août 2013

حَدِيثُ الظُّلمَةِ



على طَرَفٍ في البَقِيعِ وِشاحٌ شَفِيفٌ من الياسمينْ
وشاهدةٌ لا تَكادُ تُرَى ..
تحتَ ذاكَ الثَّرى
يَرْقُدُ العاشِقانِ رُفاتًا مُضَرَّجةً بالحنينْ
تمدُّ إليهِ يَديها فما من يَدَيْنِ
وتمسحُ فوق جبينِهِ ، ما منْ جَبِينْ ..
- صباحُكَ شَهْدٌ حبيبي .. أَنِمنا طَوِيلاَ ؟!
- كأنّهُ ما كانَ نومًا ولا سَكْرَةً في العناق ولا ظُلَّةً من سَحابْ
- أكان الغطاءُ ثَقِيلاَ ؟!
- وكان الظّلامُ أقلَّ اكْتِمالاَ ..
تُراوِدُهُ نجمةٌ في الغِيابْ
تُحاوِلُ أن تَتَحَسَّسَ شيئًا من اللاَّمكانِ ،
فراغٌ يَضيقُ ، و رَملٌ تَفحَّمَ تحتَ التُّرابْ..
- أفاجَأَنا  الموتُ ؟!...
هل كانَ أَسْرَعَ من أنْ نراهُ وَ ننزِلَ منْ طَرْفِ ثَوبِهِ ..؟
أم كان أَرْحَمَ من سَنَواتِ العَذابْ ...
- بَلَى كان أَقْرَبَ من شَفَتيكِ إلى شَفَتيَّ !
وكان يُشارِكُنا قهوَةَ الصُّبْحِ والاعتِرافَ،
ورَشَّ العُطُورِ على دَرجاتِ الثِّيابْ ..
أَيُوجِعُكِ الموتُ ؟ ..
- يُوجِعُنِي الخَوْفُ أَنْ لا تَكُونَ يداكَ على كَتِفيَّ إذا جاءَ يومُ الحِسابْ...
و يُوجِعُنِي البَرْدُ .. لَمْلِمْ عظامِيَ تحتَ جناحِكَ ،
واحزَنْ عَمِيقًا عميقَا ..
كما كنتَ تَفْعلُ حينَ تُجَنُّ الظُّنُونُ،
ويَقْسُو العِتابْ ..      
- اَتَذْكُرُ  ..! كانتْ لدَيْنا حياةٌ لِنُكْمِلَها ...
وفساتِينُ أَهدَيْتَنِيها ولم تَرَنِي يَومَ أَلْبَسُها ..
كانَ شَعْري قصيرًا وكنتَ تُحِبُّهُ أَطْوَلَ ،
تَضحكُ للموتِ حينَ يَشُمُّ رِداءَكَ : سوفَ نَشِيبُ رُويدًا رُوَيْدًا
ونُغْلِقُ دُونَكَ إِنْ زُرْتَنا كلَّ بابْ
أتَذْكُرُ ... كنّا هناكَ ،
يدي في العناقِ يَداكَ
وروحِي تُرفْرفُ مثل النّدى في خُطاكَ
ولكنّها اليَومَ ، كلّ المواعيدِ ، محضُ سرابْ
كَأَنِّي أُحبُّكَ أَوْ لا أُحِبُّكَ ..
قَلْبي تُرابٌ .. و عينايَ والشَّفتانِ ، وذاكرتي حَفْنَةٌ من تُرابْ
- كأنّكِ بَعْدُ هناكَ .....
يُفِيضُ الصَّباحُ إِذا هلَّ من شَفتَيْكِ حَريرَ الضِّياءِ
وتُلْقِينَ ظِلّكِ عندَ الظَّهيرةِ فوقَ الفراشاتِ والياسَمِينْ
وتَغْفُو على كَتِفيكِ طُيُورُ المَساءِ ..
كَأنّكِ بَعْدُ يَدُ اللّه ممدُودةٌ للعُصاةِ وللتّائِبِينْ
و أعرفُ أَنِّي حَمَلْتُكِ عُمرًا على صَهْوَةِ الرِّيحِ ،
أَهْرَقْتُ ماءَكِ في صَحَرائِي ولم يُزْهِرِ المِلْحُ ،
أَعْرِفُ أَنّيَ لم أُتْقِنِ العِشْقَ يومًا كما تَحْلُمِينْ
ولم أَحْتَفِلْ بِمَواسِمَ للحبِّ ،
لَم أَنْضُدِ الوردَ والجُلّنارَ ، ولم أُهْدِكِ الماسَ كالآخَرينْ
و أَعْرفُ أَنِّي حزينٌ بِلا سبَبٍ ..
وَغَريبٌ بِلا سَبَبٍ ...
وَجَمُوحٌ كَنهرٍ يَفيضُ شِتاءً وصيفًا ولا يَسْتَكِينْ ...
وَأَعرفُ ما لَسْتُ أَعرفُ ... لو تَعْرِفِينْ
ولكنّني رجُلٌ مُشْرَعٌ للحرائِقِ ،
تأكُلُ منّي العِظَامَ
فَتُورِقُ إن مَسّها منكِ ظِلٌّ وَأَمطرَها بالحنِينْ
كَأَنِّي أُحبُّكِ أَوْ لا أُحِبُّكِ ..
أُقْطَعُ منكِ فأَنبُتُ فيكِ
ولسنا سوى قَطْرتينِ من الماءِ تَلْتحِمانِ وتَفترقانِ بلا غُصّةٍ أو أَنِينْ
---------------------
ويصمُتُ .. تَصْمُتُ .. يَخْتَنِقُ الوقْتُ بينهما ويذُوبُ ..
ويَصْطَفِقُ اللاَّزمانُ على اللاَّمكانِ ..
يَمُدُّ التّرابُ يديه إلى خُلْوةِ النّائمينْ
يُحَشْرِجُ في الحلْقِ شيءٌ من الرّوحِ ، يَصْعَدُ بوحاً خفيضًا ،
يُعَطّرُ شاهدةً لا تَكادُ تُرَى ..
وَ ِوِشاحًا  شَفِيفًا من الياسمينْ
عبد اللطيف علوي / مارس 2010

dimanche 18 août 2013

التّفويـــــــــــــــــض !!! أو : لم يكن لي عدوّا لكي أحذَرَهْ .!!


بُنيَّ الصّغِيرَا ...
بنيَّ الّذِي ربّما لنْ أراهُ غدًا يَكبُرُ ..
حين تقرَأُ هذي الرّسالةَ سوفَ أكونُ ابتعَدْتُ كثيرَا ...
على فرَسِ الموتِ ياولدِي ، 
وحملتُ معي صورًا لا تُعَدُّ لما سوفَ تُصبحُ حين تصيرُ كَبيرَا ..
ستعرفنِي يا حبيبي ..
بما سوفَ يبقى على وجْهِ أمّكَ من وجع الذِّكرياتِ
بأقمصتي في الخزانةِ ، والصّورِ الباهتاتِ القليلةِ ..
بالكتبِ السّاهراتِ على مكتبي ، 
والقليلِ الّذي سوف يذكر جيرانُنا الطّيّبون إذا حدّثُوا عن حياتي ..
وأعرفُ أنّي سأُخْلِفُ كلّ الوعودِ ..
وقد لا أراكَ – كما كنتُ أحلمُ – تَدْرُجُ مثلَ الإوزّ على وهنٍ
أو تَحُثُّ المسيرَ 
وقد لا أراكَ تمدُّ إليَّ أصابعَ خضراءَ تلهو بلحيتِيَ المهملَهْ
أو تنطُّ على كتفي أو تُكَرْكِرُ 
أو تتخفَّى وراءَ السّتائرِ ثمّ تفاجئنِي زاهِيًا مستطيرَا ..
وقد لا أعيشُ لأسمعَ أوّلَ حرْفينِ يَكْتَمِلانِ على شفتيكَ 
فيرتعش القلبُ من نسمةٍ في الهجيرِ تفوحُ عبيرَا ..
ستسمعُ يا ولدي عن بلادٍ تُسَمَّى مَجازَا برابعةَ العدويّةِ ،
بعد سنينَ ستبردُ أفئدةُ الشّهداءِ ، 
وتثّاقلُ الخُطواتُ على صدرِ إِسْفَلْتِها المُثخنِ بالدّماءِ ...
سيَمضِي عليها الكَثِيرُونَ مُسْتَعْجِلِينَ
ولنْ يَقِفُوا لحظةً ليشُدُّوا على كتِفٍ مُوهَنٍ كان يومًا هناكَ ، 
أو امرأةٍ فاضَ ملحُ الأنوثةِ من صدْرِها
فسقتْ نخلَها في يبابِ المواسِمِ دمعًا غزيرَا ..
ستسْمَعُ عنها القليلَ غدًا – ربّما – أو كثيرَا ..
ولكنّ تاريخَها سوفَ يكتبُهُ الرَّاقِصُونَ على شرفِ المذْبَحِ العسْكَرِيِّ 
بألسنةٍ لا يجفُّ عليها نقيعُ الخيانةِ ..
إن سَجدتْ كفَرَتْ وإذا غرغرتْ أغلظتْ باليمين لتشهدَ زُورَا
وكانت لنا يا حبيبي بلادٌ ككلِّ العبادِ
وكنّا نهيمُ بها.. ، نُشعلُ الشّمسَ من بحرِهَا الأُرْجُوَانِيِّ كلَّ صَباحٍ 
وكنّا صغارًا ...نفتّشُ عن شكلِها في الخرائطِ مثلَ العصافِيرِ بين الشّجرْ 
ثمّ نهتفُ حين نعلِّمُهَا بالأَصَابِعِ : ها هِي بلادي ... 
مجلّلةً بالحرير كوجهِ القمرْ ..
و كنّا على خفْقِ راياتِها في السّمَاءِ..
نردّدُ كالشّعراءِ : 
بأنّا إذا ما أردنا الحياةَ...
فلا بدّ أن يستجيبَ القدرْ 
كبرتُ على عجلٍ يا حبيبي و أثخَنْتُ في حبِّها 
صار كلُّ الّذِي أرتَجِيهِ من اللهِ بيْتًا بها أو حَصِيرَا 
وأن أَسْتَزِيدَ فيرزُقَنِي منْ ثَرَاها كما يَرْزُقُ الطَّيْرَ فِيها
فآوِي إلى نَجْمَتِي في المَسَاءِ عزيزًا شَكُورَا
وأن لا أَغصَّ بِرِيقِ المَذلّةِ في الحَلقِ أو في الرَّغِيفِ 
و لا يَتَعَفَّنَ قلبي كَسَقْطِ المَوائدِ فوقَ الرَّصِيفِ 
وأن أحتفي مرّةً باكتمالِ الرَّبِيعِ ولوْ مرّةً ..
بعد خمسين عامًا يَجيءُ الرَّبيعُ بها كلَّ عامٍ بطعمِ الخَرِيفِ 
فهل كان هذا الّذي أرتجِيهِ كثيرَا ؟؟؟
صَحَوتُ على دَبكَةِ العَسْكَرِيِّ يُعِدُّ سِلاَحَهْ 
ومَا كانَ يومًا عَدُوِّي 
أنا من عجنْتُ له الخبزَ من كفِّ جوعي وقوتِ صِغَاري 
وضمَّدْتُ يومًا جِرَاحَهْ
ومَا كانَ يومًا عَدُوِّي 
وقلتُ لمنْ جاء يتركُ عندي وصيّتَهُ : لاتخفْ ..
سوفَ تخْجَلُ تلكَ الرَّصَاصَاتُ من دَمِنا والمَدافعُ والطّائراتُ 
سيخْجَلُ من دمِنا العَسْكَريُّ ويُرْخِي جناحَهْ ..
ومَا كانَ يومًا عَدُوِّي 
ولكنّه اليومَ صارَ المُفَوَّضَ باسمِ المَلاَيِينِ في قَتْلِ إِخْوَتِهِمْ سَاجِدِينَ 
و جاء ليذبَحَنِي فوقَ سُجَّادَتِي
بوثائِقَ رسْمِيَّةٍ من سِجِلِّ الحُكُومَةِ تُثْبِتُ شرْعِيَّةَ المَجْزَرَهْ 
والّذي فوَّضَ اليومَ ربَّ الجُنُودِ ليَقْتُلَنِي ..
لم يَكُنْ لي عَدُوًّا لِكَيْ أحْذَرَهْ ..
كان بيتُهُ في حيِّنَا الفَوْضَوِيِّ قُبَالَةَ بيتِي 
وكنتُ إذَا غَابَ أحْرُسُهُ دونَ أنْ أُخْبِرَهْ 
كان يعشَقُ فيرُوزَ مِثْلِي ويشهدُ أنْ لاَ إلاَهَ سوَى اللهِ خَالِقِنا 
ويُرَبِّي على سَطْحِ بيتِه زَوْجَ حَمَامٍ يُطَيِّرُهُ في المساءِ على سَطْحِ بيتِي 
ويأكُلُ مِلْحِي وزَيْتِي ..
ويشحَذُ فِي غَفْلَتِي خِنْجَرَهْ 
لم يَكُنْ لي عَدُوًّا لِكَيْ أحْذَرَهْ ..
كانَ في قَاعةِ الفَصْلِ يومًا جَلِيسِي 
يُشَاكِسُنِي ويُشَارِكُنِي لُمْجَتِي وكِتَابِي 
وكان يَغَارُ إذا ما رآني أَشُدُّ على كفِّ طفلٍ سِواهُ
وكان رفيقَ الشّبابِ 
فماذا إذنْ غيّرَهْ ؟؟
لم يَكُنْ لي عَدُوًّا لِكَيْ أحْذَرَهْ ..
كان يلبسُ فولتيرَ والمتنبّي ورابطةَ العالَمِ الاشْتِرَاكِيِّ والأمَمَ الثّائِرَهْ
كان شيخَ البيَادَةِ والمرقَسَ الأرْثُذُوكْسَ ووَرِاثَ أحزَانِ نوبلَ والنّاصريَّ الّذِي اسْتَنْصَرَهْ
كان يُنْشِدُ مثْلِي : بِلاَدي بِلاَدي ....
ويَهتِفُ مِثْلِي : نَكِيدُ الأَعَادِي ..
و يَدْعُو لمُؤْتَمَرٍ صحَفيٍّ إذا عَثَرَتْ بَغلةٌ في العِرَاقِ
و يَدْعُو إذا انتحرتْ قطّةٌ ، للحدادِ ..
ولكنّه اليومَ فَوَّضَ ربَّ الجُنُودِ ليَقْتُلَنِي فوقَ سُجَّادَتِي ، ساعةَ الفَجْرِ 
بِاسْمِ الحداثةِ واللاّئكيّةِ والدّولةِ المدنيّةِ والكَهَنُوتِ المُعَظَّمِ ،والحُرَّةِ الفاجِرَهْ
لم يَكُنْ لي عَدُوًّا لِكَيْ أحْذَرَهْ ..
فاحترِسْ يا حبِيبِي إذا قِيلَ يومًا : دمٌ واحدٌ أو غدٌ واحدٌ أو يدٌ واحدهْ ...
هم يُرِيدُون أرْضًا لَهُمْ وحدَهمْ ..
ويُريدُونَ شَعبًا لهُمْ وحْدَهُمْ ..
وإلاهًا لهمْ وحدَهُمْ ..
وحياةً لهم وحدهُمْ ..
و بلادًا يُحَرِّرُهَا الجَيشُ والأمنُ والبلطجيّةُ من لِحْيَتي وكتابي وسُجَّادَتِي الطّاهرهْ
فاحترِسْ يا حبيبي الصّغيرَا ..
وإنْ أنتَ يومًا مررتَ برابعةَ العدويّةِ ، فاخلَعْ حذاءَكَ ياولدي ..
وترفّقْ بأرْواحِنا السَّاجِدَاتِ على خَدِّ إِسْفَلْتِها النّازفاتِ ..
ستبقَى معلّقةً في رقابِ الّذينَ أضَاعُوا البلادَ وباعُوا الضّميرَا
وسِرْ في دُرُوبِ الحَياةِ كما تَشتَهِي أن تسيرَا
ولكنْ .. تذكّرْ فقطْ .. 
أنْ تمُوتَ ، إذا حَانَ وقْتِ المَمَاتِ ، كبيرَا ...
_____________________________________
عبد اللّطيف علوي 14 أوت 2013




كلمات إلى الله


ربِّ هذا أنا ، طِينُكَ البشَريُّ ، خليفةُ من لا يَمُوتُ 
أنا السَّيِّدُ العَبْدُ ، كالماءِ أَنزَلْتَني ، وإلى النَّهْرِ عُدْتُ ..
ضئِيلاً ومُنْتَكِسًا وصغيرًا كيومِ وُلِدْتُ
أنا سارِقُ اللَّذَّةِ المُسْتحيلَةِ ،
علَّقتُ قلبي على خاصِراتِ الصَّبايا ..
وأَسْرَفْتُ في وجعي وانتظارِيَ حتّى زَهِدْتُ ..
أنا من تَرانِي وتَعْرِفُنِي ،
حَطَبٌ في المواقِدِ أو قَصَبٌ في الموائِدِ،
ألْقَتْ عليَّ الحضاراتُ أسماءَ من شرّدُونِي
فَسُلَّتْ سُيوفُ الخَوارِجِ باسْمِي ..
وبِيعَتْ رُفاتُ الصّحابةِ والتّابِعِينَ ومن دخلَ البيتَ باسْمِي ..
وسِيقَ المَوالِي إلى غُرَفِ الاغْتِصابِ ،
وباسْمِي تُعَلَّقُ أمعاؤُهُمْ للكِلابِ على كُلِّ بابِ ..
وباسْمِي تُدارُ الكُؤُوسُ ، ويَعْلُو النّشيدُ المُقَدَّسُ ،
يَبني المُثَقَّفُ دولتَهُ المُسْتقِلّةَ في صَلَفِ اللُّغةِ المخْمَليّةِ ،
يَبْكي الرِّجالُ نِساءً تعِبْنَ من اللاَّرجالِ ،
ويحتفِلُ الشّعراءُ بِموتٍ جديدٍ وعاهِرَةٍ وكِتابِ ..
أنا ما تراهُ على كُلِّ بابِ             
وَلكنّني صاغِرٌ دائمًا وقريبٌ إلى بابِ عَرْشِكَ مهما ابتعَدْتُ ..
يُعَذِّبُني ما أَقُولُ وما لم أَقُلْ ،
ربِّ هذا أنا ..
في الطَّريقِ إليكَ كَبَوتُ كَثيرًا ولم أَحْتَمِلْ خُطُواتِي ..
مَررتُ بأَودِيَةٍ يَنبُتُ الموتُ فيها ،
وَيَنْضَجُ كالخُبْزِ في شَغَفِ الأُمَّهاتِ ...
وَغَرْغَرَ في الحلْق سُمٌّ قديمٌ ،
أَكُنَّا هناكَ  ولم نُشْهِدِ الله أنّا خُلِقْنا بِمَحْضِ مَشِيئَتِهِ وحدها ؟
وعَجَنّا بِمَحْضِ مَشِيئَتِهِ النّارَ و الماء والكلماتِ ..
أكنَّا هناك ولم نَرَ وجْهَ الحُسيْنِ وغائِلَةَ الثَّقَفِيِّ ..
 ولم نعرِفِ الفرقَ ما بينَ رقصِ الدُّيوكِ و ذَبْحِ المُلُوكِ ؟
ولمْ نرَ زاويةَ البَرْقِ في نَسَقِ العَتماتِ ....
قَصِيرٌ هو العمرُ ياربَّنا ،
وما عاد يكفي لأَصحُوَ من سَكراتي..
و أركُضَ ثانيةً في الطّريقِ إلى بيتنا الجبليِّ القديمِ
وَأَعْثُرَ في حجرٍ نائمٍ
 ثمّ أنهض كالطّفلِ مستصغِرًا كَبَواتي ..
وما عادَ يكفي لأعرفَ أمّي بِرائحةِ اللَّوزِ من دون كلِّ النّساءِ
وأحنِي على كَفِّها كبرِيائي
وما عادَ يَكْفي....وما عادَ يَكْفي
لأَعْقِدَ أحزانها بالوُعُودِ الصَّغيرَةِ و الأمْنِياتِ..
يُعَذِّبُني ما أَقُولُ وما لم أَقُلْ ،
ربِّ هذا أنا ..
نِصفُ قَبْري هناكَ ونصفٌ هنا ..

                                 عبد اللطيف علوي .... جانفي 2010

samedi 17 août 2013

وكان صديقي ... عبد اللطيف علوي قولاً ... وسيف الدين علوي ردّا



لم نكن يومها طائرين على موعد للغناءِ ...
حزينا تركته قبل اكتمال الصّباح على باحة المعهد الثّانويّ ،
وأفريلُ يطفئُ آخر نرجسة في طريقه ..
كان هنالكَ أكثرُ من سبب للكلامِ ،
وأكثرُ من سبب للبكاءِ ...
توقّفتُ ، لم يلتفتْ .. ثمّ مرّ كما السّيف ما بين ضلعينِ،
- ألقاك يا صاحبي في المساءِ ..
وغمغم في سرّه القلبُ قبل الرّحيلِ،
- أجل .. ربّما ، في المساءِ... إذا شيء لي... يا صديقي
وكانَ صديقِي ..
وكانتْ طَريقُ الحَريرِ تَمُرُّ على بابِ قَلْبِهِ ، كانتْ طَريقِي ..
وكنّا نحطّ كفرخيْ يمامٍ على حطب الغرباءِ ،
ونعلو ونسفلُ ، 
منْ دُونِ أرْضٍ تلقّفنا أَو سماءِ
وكان صديقي ..
وكانَ يُحِبُّ رُكُوبَ المُحالِ ..
و يَعْشَقُ كلَّ النِّساء كما تعشق الرّيح كلّ الجبالِ ..
وَيَعْشَقُ أُمَّهُ والأخواتَ الثَّلاثَ ،
ويَخْجلُ من صَبْرِهِنَّ ومن صَمتِهِنَّ إذا طالَ
قبلَ السُّؤالِ ... وبعدَ السُّؤالِ ..
ويَعْشَقُ من دونِهِنَّ الّتي تتفتَّحُ في رِئَتَيْهِ كَزَهْرِ الأَرَنْجِ ،
وتغشاه كالموتِ بينَ الزَّفيرِ وبينَ الشَّهيقِ ...
وكان صديقي ...
تدُورُ رحى الصّيفِ عامًا فعامَا
وفي الصّيفِ تَغْسِلُ بلطَةُ أقمارَها قمرًا قمرًا ..
وتُلَمْلِمُ أحجارَها حجرًا حجَرًا ..
وتحدّث أخبارها أنَّ للأَولِياءِ من الصّالحين مَقامَا
وللرّاكِبين على دُبُرِ الرّاكبين مقامَا
وللشّعَراءِ إذا سقطوا في المقامِ مَقَامَا...
وفي الصّيفِ تَعْرفُ بَلْطَةُ أبناءَها العائِدينَ يجُرُّون شوقا ذليلا
يذيبون أحزانهم في عيون عجائزها الزّاهداتِ
يهزّون جذع الأماني إليهم ،
فيسّاقط العمرُ منها حطامَا ...
وَيَبْقَونَ حتّى تَغِيضَ العُيُونُ وتَحْبلَ زوجاتُهُمْ ،
ثمّ يَمْضُونَ ظلاًّ كسيرًا تُطوِّحُهُ الرّيحُ مهما استَقَامَ
تدُورُ رحى الصّيفِ عامًا فعامَا
وَيَقْطَعُني صاحبي مثلَ سيفٍ مُضِيءٍ ،
ويطلق في الرّوح درويش والمتنبّيَ
يطلق فيروزَ أو أَسْمهانَ ، وعبد الوهابِ ونورَ الهُدى ..
يتذكّرُ " فَعْلَةَ "بينَ انْفِلاتِ النّشيجِ ورجْعِ الصَّدى ..
وحدها كان يُمْكِنُ أن تتبرّدَ في ماءِ عينيهِ دون احتراقِ ..
وقاسيَةٌ وحدها..
كان يمكنُ أن لا تُصِيبَهُ ثانِيَةً بعد عشرينَ عامَا
وأن تتَرفَّقَ في قتلهِ ساعةً ساعَةً...
يتحسّسُ في الجيبِ سيجارتَيْنِ ،
فليسَ يُدخِّنُ إلاَّ لِمامَا...
وَيُبْكِيهِ ما يُضْحِكُ الآخرينَ ، السُّقُوطُ المُفاجِئُ،
رَكْضُ الأَرانبِ مذعورةً بين أَقدامِهِمْ ،
وغِناءُ المَساطِيلِ أو رَقْصُهُم في المواكب ،
تُبْكِيهِ نوّارةُ الشَّوكِ في كَعْبِ عائِشةٍ ..
فَيَمُدُّ إليها يدًا تَلْعنُ الماء والخبزَ
والصّابرين على دمعِهِمْ كاليتامى
تدُورُ رحى الصّيفِ عامًا فعامَا .....
وترحلُ بَلْطَةُ عنّي فأرحلُ عنها ..
تَضيقُ كَرَحْمٍ هجِينٍ ،
وتلفُظُنِي قبل أن أشتهي موتةَ الأنبياء على صدرها ...
قبل أن أتألّه في حبّها أو أُلامَ ...
ويذكرني السّاهرون بخيرٍ .. بمِلْيون خيرٍ :
لقد عاشَر الجِنَّ منذ صِباهُ وجاء بسحرٍ مُبينٍ ،
فلا تشرَبوا من يديهِ ،
وجُرُّوه إن عاد من كتِفَيهِ ،
وصبّوا الرّماد على مقلتيهِ ،
لكي لا يرى النّورَ إن بان فجره إلاّ ظلامَا ..
تدُورُ رحى الصّيفِ عامًا فعامَا .....
و يَكتهِلُ الطِّفْلُ في طرقاتِ المدينةِ، ثمّ يَشِيبُ
ويَنْشَفُ قلبُهُ مثلَ الجريدَةِ .. يَهْجُرُهُ الشّعرُ عشرين عامَا
كأنّهُ ما طاولَ النّجْمَ يومًا
وَ لاَ عَرَّشَتْ فوقَ كَفَّيْهِ رِيحُ الخُزامَى
وَ أنظرُ حولي ..أرى صاحبي عالِقا في رمال القصيدةِ ،
تُدْنِيهِ حينًا وتُرْخِيهِ ،
تحييه حينا و تفنيه
أَهْفُو فيَجْفُو وأجْفُو فَيَهْفُو ..
و يرجع أفريل ، ..يرحل أفريل للمرّة الأربعين
ونبقى وحيدين يا صاحبي كالفراشة... ،
نبحث عن ظلّنا في الحريقِ ...
وكان صديقي ...
                                 عبد اللطيف علوي



ويردّ سيف الدين علوي


أجلْ،مثلَما أسلَفَ النصُّ يرشُقُني بحنين البداياتِ
يفتضُّ رافد بوْحٍ ضنينٍ،
أردِّدُ:
كانَ حميمي الظَليلَ... وظلَّ...
سأسْرِدُ إنْ أسْعفتْني التفاصيلُ
مِنْ سيرة الطُّهْرأو لوثة ِ العُمْرِ فصْلاَ
أجلْ ، بيْننا مِنْ حريقِ الحَكايا
حكاية ُ شِعْرٍ وعرْشٍ
ونستفُّ إذّاكَ مِنْ سافياتِ الفجيعةِ تبْنا ورَمْلا
.وأذكُرُ أنّا عرفْناه يغْشاهُ عِشْقٌ ضريرُ
فيحطِمُ مِنْ شُحْنة ِالكبْرياءِ الجريحةِمِشْكاة َ قلبِهِ
إنْ شحَّ ضوْءُ المودّةِ
أو غاضَ عنها الخريرُ
.كأنّي أراهُ يلوذُ بأحزانَهِ البِكْرِ
يمتاحُ نزْفَ الفؤادِ
و يلْعقُ في سِرِّهِ الصّبْرَ نصْلا
وكنتُ أسمّيه ِيصْرَعُهُ الوجْدُ ابْنَ المُلوَّحْ
فيغْضبُ حينا
وحينا يُمازِحُني بِنشيجٍ مُجَرَّحْ:
"ولسْتُ أباه ولسْتُ الحفيدَ،
ولكنّني وَلِهٌ بالهوى والهيام أفيضُ وأطْفَحْ
وكأسُ الغرامِ تدورُ بِنا وعليْنا
فإنْ بُكْرة ً أسْكرَتْني
فـــعِنْدَ الأصيل تكونُ المُرَنَّحْ
ويغْتالُكَ الشوقُ لَأيا فلأياً
ولنْ تُلْفي إلاّيَ في العطْفِ خِـلاَّ "
.كأنّي أ ُصيخُ لِنجْواهُ في أذُنيَّ
ونحْنُ على مقْعدٍ مِنْ حريرِ الظلامِ،
على زفرةٍ في وثيرِ الفراغِ:
كَنيْتُ الحبيبة َرُخّا*
وعنْقاءَ أجعلُها في رماد الحشا
لاضطرام الحشا
وللظِلِّ شمْساً وللشمسِ ظِـلاَّ..
ويكْتُبُهُ النص إذّاكَ:
{أطْفئْ جهنّمَ أشتعلْ
ألأنَّ بابَ اللّه أقربُ مِنْ يديَّ إلى يديَّ
وطِفْلة ً تَعْرى حياء ًلم أصِلْ
ورأيتُها بأصابِعي،
فأمتدَّ من تحت الأظافرِ حارسُ الموْتى
وشرّدني جميعا في دمي....*}
ويكْتُبُه النصُّ،
قدْ أثّثتْهُ حوامِضُ أيّامِنا
والمراراتُ
والمِلْحُ والورْدُ والثّلْجُ
والوالِدان وأمّي وأمُّهْ
وشيْءٌ مِن الوعْيِ و الإيديولوجا
وريمٌ وزيْنبْ.
صديقي شبيهي المُعَذَّبْ
أراكَ تساءَلُ عمّا تمزّقَ في الحلْمِ مِنْ عُمْرِنا
وعمّنْ يُطرّزُ أكبادَنا والرئاتِ
بمليونَ مِخْلَبْ
وعمّنْ يُكيِّفُ بهجة َ أيّامِه العاريهْ
بإيجاعِ أيّامِنا
ويَضْبِطُ إيقاعَ نشوتِهِ الخاويهْ
على وتَرٍ من كَمَنْجاتِ حرْمانِنا
وتُحْصي على مَهَلٍ
مِنْ مَهاوي المشانِقِ حبْلا وحبْلاَ
وتنفُضُ حدَّ المقاصِلِ مصقولة ًنحْوَنا تتدلّـَى.
صديقي أخي وشبيـــهي
مسافة ُ تـيـهِـكَ تيــهي
أتذْكُرُ قَوّادَ قرْيتِنا؟
لقدْ شاخَ في آخِرِ العُمْرِ،شابْ
وبَـعْدَ الخطايا اهْـتَـدى وأنابْ.
عساكَ نَـسِيتَهُ في زَحْمة ِ الطّمْيِ والرّمْيِ
أو تَـنَاسَـيْتَ زلاّتِـه العاهرهْ،
تَرحَّمْ على توْبةٍ رُبّما طاهرهْ
وقُلْ قرْيتي مثْل جيكورَ طيّبة ٌ
أو كَصَعْرةَ* ملعونة ٌ ماكرهْ
وقُلْ فائِتي المُرُّ ما فاتَـنني،
وقدْ أفْـــلتَ مُسْتَقْبَلي وهو أحْـلىَ
.كأنّي أراكَ تـقولُ:
غداً يَقْصُرُ
"المـــاردُ" القَزْمُ في قريتي
ونمتدُّ نحْنُ نـطولُ
غداً يملؤونَ سُـفُوح الزّمانِ
ونَــصْعَدُ فيه
بعيــدا
وأعْـلـَـى
                      سيف الدين علوي