lundi 18 août 2014

أمنية أخيرة


الرّوح تكسّرت إلى غير عودة


غزّة ورابعة شقيقتان ذُبِحتا بنفس السّكّين ...
 الجريمة فيهما واحدة ، والمشروع فيهما واحد ...
في مثل هذا اليوم حدثت أبشع مجازر الحكّام العرب ضدّ شعوبهم ، بمباركة وتحريض وتغطية من فئة من شركاء الوطن ،
جيل المسخ الحضاريّ والتّشوّه البشريّ الّذي أنتجته دول الحداثة الوطنيّة الوريثة لمصالح الاستعمار وثقافته و عنصريّته 
في مثل هذا اليوم ، تهتّك النّسيج الرّوحي والاجتماعي للإنسان العربيّ إلى أجل لن يكون قريبا ..
جريمة فضّ رابعة والنّهضة ، سبقتها وتلتها عشر مجازر أخرى على الأقلّ ، أشّرت كلّها إلى أنّ العصر العربيّ الجديد سيقوم على فرانكشتاينيّة غير مسبوقة في استهداف الحاكم للمحكوم ..
كان الهدف واضحا : إحداث الحدّ الأقصى من الصّدمة والتّرويع لقطع الطّريق أمام أيّة محاولة عربيّة جديدة للشّذوذ عن الطّوق ، والإعلان عن زمن عربيّ أشدّ توحّشا من كل ما مرّ في تاريخه ...
لأوّل مرّة شاهد العالم كلّ فصول الجريمة على الهواء مباشرة ،
واستمرّ القتل والسّحل والحرق ما يزيد على عشر ساعات ، والضّمير العالميّ المأجور يتابع بكلّ تشفّ مفضوح ، أو لامبالاة غريبة .. في أقلّ توصيف
... قبل رابعة وبعدها ، ظهر جيل عربيّ واضح من المفوّضين في السّرّ والعلن ، على اجتثاث طرف بعينه ،
و عبرت ثقافة التّفويض كلّ الحدود ، في مسعى لإعادة تكرار سيناريو الجريمة المصريّة في كلّ ساحة عربيّة تنادي بالتّحرّر ...
بعد رابعة صرت أكثر وحدة من أيّ زمن مضى ...
فقد صرت أرى في كلّ متلبّس بشعارات الحداثة العربيّة المغشوشة مفوّضا في قتلي بالقوّة أو بالفعل ...
ومع الحزن الشّديد ، أعرف أنّهم لن يتردّدوا في النّزول إلى الشّوارع لتفويض أيّ " سيسي " يرفع السّكّين ليذبحني ... 
جريمة رابعة ، ليست حدثا عابرا في تاريخ المأساة العربيّة ...
حدث شقّ الرّوح وشطرها إلى نصفين ، وفتح المجال لاندفاع الوحش المقهور في أبشع ما يمكن أن يجترحه الخيال ،
فوضع المنطقة بين عنوانين لا ثالث لهما : " سلميّتنا أقوى من الرّصاص " أو " داعش "
 بعد رابعة .. كتبت قصائد مثل " التفويض " : لن أصالح " بنت السّماء "
وفي كلّ مرّة كنت أمنّي النفس بأن أشفى ممّا حدث ...
لكن من الواضح أنّ الرّوح تكسّرت إلى غير عودة .. 

ـــــــــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي ــــــــــــــــــ

ليس من طينة الرّجال من لا يعرف قيمة الرّجال :


كتب أحدهم معلّقا على هذه الصّورة الّتي نشرتها وجمعتني بالمناضل عبد الكريم الهاروني ..: 
انت سيدي الكريم رجل فكر وادب وشعر وفن فارجو ان لا تلطخ يديك بدماء السياسة .ولطفا
فرددت :
سيّدي  ... ربما كان عليك أن تقرأ تاريخ هذا الرجل قبل أن تكتب تعليقك الأخير ، هذا من صخور النّضال التي تكسّرت عليها أمواج الديكتاتورية في هذه البلاد ، رجل بآلاف الرّجال ، هو أسد الجامعة التّونسية بلا مبالغة ، يوم كان غيره أغلى أمانيهم أن ينعموا برضاء وليّ النّعم .. ولا أدّعي ، كما يدّعي غيري أنّ الشعر أو الأدب والفن عموما يتعالى على السياسة ، السياسة عندما يمارسها الأحرار والشرفاء تصبح هي أيضا فنّا ورقيّا وسموّا إنسانيّا ... هذا الرّجل حكم عليه سنة 92 بالسجن مدى الحياة ، وقضى منها 16 سنة أغلبها في الانفرادي ، .. وما لان وما وهن ... فكفاكم ادّعاء أيّها المتشاعرون والمتآدبون والمتثاقفون الصّغار ،... يوم تحقّقون 1 من الألف من نضالية هؤلاء ، ومن صمودهم وثباتهم على المبادئ ، عندها فقط ، ردّدوا كليشيهاتكم البذيئة ، وادّعوا أنّ الشّعراء أعلى من السّاسة ..
لست أعرف من غرس في عقول "أشباه  المبدعين " في هذه البلاد أنّهم أعلى من رجال السياسة ( عندما يكونون من طينة الأحرار الشرفاء المناضلين ) 
هل قدّمتم أنتم لهذه البلاد كما قدّم هؤلاء ؟؟
طبعا أرباب المطاحن سيعتبرون أنّ هذا نوع جديد من الطّحين الفاخر ينزل إلى السّوق ، 
لكنّي أكتفي بأن أهمس في آذانهم قردا قردا ( وليس فردا فردا ) : ليس من طينة الرّجال ، من لا يعرف قيمة الرّجال ..

خواطر في تفسير النكبة المصرية


 ثمّة نهج في التفكير يُرادُ للملاحظ أن يذهب فيه ويحلل ويستنتج من خلاله ، لأنه - بقطع النظر عن صحته من عدمها - يحرف البوصلة عن أسباب المشكلة الحقيقة ، وهذه تقنية في التّضليل تدرّس وتثبت جدواها في ظلّ جوقات الإعلام الموجّه والمثقفين المأجورين ...
المشكلة ليست فيما إذا كان الإخوان قد أخطؤوا أم لا ؟؟ ... هذا دخول للموضوع من الباب الخطأ .. طبعا الإخوان أخطؤوا كما يخطئ أيّ تنظيم سياسيّ حاكم أو معارض على حدّ السّواء ( وهو حقّ بشريّ للأفراد والجماعات مادام لم يصل حدّ الخيانة العظمى أو الإضرار الجسيم بمصالح البلد أو الانتهاك الجسيم للحقوق والحرّيات ) وهي أشياء أجزم تماما أنّ الإخوان لم يقعوا فيها ...
غير ذلك يمكن أن نختلف في الأداء السياسي و ترتيب الأولويات ووضوح الرّؤيا وكلّ ما بدا لك ... أنا لو عدّدت أخطاء الإخوان سأكتب فيها صفحات ، وأستطيع أن أزايد في ذلك على كثيرين ... لكن المشكل ليس هنا ...
 هناك مشكلان منهجيّان ومعرفيّان في غاية الخطورة : 
الأوّل أنّه ماكانت لتوجد الدّيموقراطية كنظام اختيار ورقابة ومحاسبة ، لو كنّا نتعامل مع معصومين منزّهين ... العقل البشريّ توصّل إلى فلسفة الديموقراطية لأنها تمكن من محاسبة المخطئين ومعاقبتهم انتخابيّا ، وهذا هو الأسلوب المتحضّر الوحيد في تقييم تجارب الحكم في ظل أنظمة ديموقراطية ...
 المشكل الثّاني أنّ الانطلاق من أخطاء الإخوان كقاعدة تحليل يبدو في ظاهره صحيحا ... لكن من يدرس الحالة المصريّة من أبعاد مختلفة سيكتشف بدون عناء أنّ المؤامرة في مصر بدأت حتّى قبل صعود الإخوان ، حيث كان الجيش يضع سيناريوهات استلام السلطة حتى قبل ثورة 25 ، كان من المفروض أن تبدأ إجراءات توريث نجل مبارك  في ماي 2011، وتوقع الجيش اضطرابات تجتاح البلاد ، ففكر في سيناريو استلام السلطة ، لكن الثورة حدثت ، ففوقع تنفيذ الخطة في سياق مختلف ، ولكن بنفس الأهداف ...
أثناء الثورة قطع الجيش يدي مبارك : إحراق مقرات الداخلية و مراكز الحزب الوطني ( عن طريق بلطجية مأجورين ) ثمّ ضغط على مبارك للتّخلّي للمجلس العسكريّ ، وانتهت المرحلة الأولى من الخطة بنجاح ...
المرحلة الثانية كانت استدراج الإخوان إلى الفخّ السياسيّ بإحكام شديد للتضحية بهم فيما بعد والانقلاب عليهم ( الانقلاب على الإخوان أسهل بكثير من أي طرف آخر ، سيجدون الدّعم الكامل خارجيا من القوى المعروفة : أمريكا وإسرائيل والحليف الخليجي ، ومن القوى الداخلية المعروفة تاريخيا بعدائها المطلق للإخوان ، والاستفادة من كل عناصر المشهد المصري الفاسد : إعلام وقضاء وأمن ودولة عميقة ومجتمع عميق ...
يعني أنّ المنطلق صحيح : الإخوان أخطؤوا ، لكن محاولة تصوير ما حدث كأنه عقاب شعبي للإخوان نتيجة لذلك الخطأ هو التضليل الكامل ... لأنّ الأسباب الحقيقية تقع في منطقة أخرى من تشابك المصالح بشكل معقّد وأخطبوطيّ :
مصالح الجيش كقوة اقتصادية وكيان مستقلّ عن الدولة يستغلّ 40 بالمائة من مقدراتها ولا يخضع لرقابتها  ( هناك كتاب يفسر هذا الأمر بشكل مذهل وهو " جمهورية الضباط في مصر " )، وبذلك يصبح الانتقال إلى الطور المدنيّ انتحارا للمؤسسة العسكرية ، مصالح قوى الفساد الأمنيّ والقضائيّ التي تلبّست بالدولة حتى أنه لم يعد من الممكن الفصل بينهما وصار إسقاط الفساد يؤدّي آليّا إلى إسقاط الدّولة ( من يفهم هذه الحقيقة يفهم منهجيّة النهضة والإخوان في مصر في عدم الانجرار إلى حرب كاملة مباشرة مع الفساد في البلدين ، وتفضيلها لتمشّي الإصلاح التّحتيّ وعلى المدى البعيد )  ، مصالح النموذج الخليجيّ الّذي يهدّده منطق الربيع العربيّ وخاصة تصدر الإخوان للمشهد لكلّ ما نعرف  من الأسباب ، ومصالح الوكيل الأول للامبريالية العالمية ، إسرائيل ... لأنها كانت تخشى قيام تحالف تركي - مصري - قطري - وربما حتى ايراني يخنقها تماما ويعجل بفنائها ...
عندما نفكر يجب أن نضع كل هذه المعطيات المركبة المعقّدة المكونة للمشهد الجيوسياسي في المنطقة ونربط المسالك بعدها ... أمّا الوقوف عند أخطاء الإخوان ، فهو حقّ يراد به باطل ... لأنه كما أسلفت يحرف النظر تماما عن جوهر التناقض الواقع اليوم في بلدان الربيع العربيّ ، و يخدّر العقول بوصفات سهلة مضللة يسهل ترويجها للتعمية والتضليل ...
ـــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي ــــــــــــــــــــــ

ثورة عبر الصناديق ... / عبد اللطيف علوي

على عكس البعض ، أحسّ بحالة من التّفاؤل الشّديد والثّقة بأنّ الانتخابات القادمة ستكون موجة ثوريّة جديدة فارقة في مسارنا نحو الحلم الدّيموقراطيّ ... لست متفائلا على الأرجح ، بل هو تقدير لواقع جديد لا أرى فيه قوى الارتداد إلاّ في أسوإ حالاتها ، معسكرهم يضيق يوما بعد يوم ، والماء يتسرّب إلى سفينتهم ، فيبادر الكلّ إلى الطّوق وحيدا علّه يبلغ ما يريد ... المال التّجمّعي صار يحارب بعضه بعضا ، تناقضات المكوّن اللقيط تنفجر وتطفو على السّطح بينهم بمجرّد الوصول إلى لحظة التفكير في اقتسام الغنائم ( وهي مازالت افتراضيّة ..) تحالفات الانقلابيين تتفتّت أفقيّا وعموديّا ، وهي لا يمكن أن تعود إلى نقطة انطلاقها أبدا ، أوّلا بسبب تضارب مصالحها في المرحلة القادمة ، وثانيا لأنّ الوضع الّذي كانت تقتات منه قد انتهى ( غياب المؤسسات والدستور والوضع الانتقالي الهش و طبيعة السلطة المؤقتة .. ) مع رجوع طرديّ لأمل الرّبيع العربيّ انطلاقا من غزّة ( وحتّى من مصر بحكم استمرار المأزق الانقلابي في إعدام الثورة وفي تحسين شروط المعيش المصريّ ) مع بوادر صحوة ثورية في ليبيا تحسم الأمور مع انتخاب أردوغان وتثبيت النموذج التركي 
من جهة ثانية لدينا قاعدة تزداد اتساعا من القوى التي ترى في الثورة مصلحة وطنية  ، صرنا نتكلم عن إمكانية تحالف واسع بعد الانتخابات بين النهضة والمؤتمر ووفاء والتحالف والتيار وبعض من التكتل وحتى الجمهوري الّذي جرّب الجحر التّجمّعي فلم يجد فيه شهدا ولا عسلا ...
أكثر من ذلك ، المرزوقي في وضع جيّد جدّا في سباق الرّئاسة ، فإضافة إلى شعبيّته المتصاعدة في أوساطه التقليدية ، هناك توجّه ساحق من كلّ قواعد النهضة إلى انتخابه ، وهذا يرجّح الكفّة دون شكّ ...
لقد نجحنا في تونس في أن نجرّ قوى الاستبداد إلى المعركة الّتي لا تنتصر فيها أبدا ، معركة الإرادة الشعبية عبر الصّناديق ، وأيّ كلام هنا عن المال السياسي هو كلام مبالغ فيه ، لأنهم جربوه في المرة السابقة ، ولم يثمر ... التونسي يبيع القرد ويضحك على من يشتريه ... عندما يدخل إلى الخلوة ، لن يتذكّر حلوى العيد ..
ملخّص الحال أنّنا لسنا في موقع ضعف أبدا ... على العكس من ذلك تماما ، لقد ربحت قوى الثورة الكثير من المعارك المصيريّة ، وتجاوزت بحارا وأهوالا ... كلّ محاولات الإرباك التي يقومون بها تدلّ على أنّهم يخسرون المعركة ، 
يوم 26 أكتوبر سيكون موجة ثوريّة جديدة ، تكنس تجّار الدّم و أزلام النظام المقبور ، ثورة عبر الصناديق ...
لا يوجد من يتكهّن بالمستقبل ... إلاّ الّذين يصنعونه 
ونحن قادرون ، لسنا ضعفاء أبدا ، ولن نكون ضحايا أبدا بعد كلّ الّذي كان ...
ـــــــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي ــــــــــــــ

تحييد الشّعر عن السياسة / عبد اللّطيف علوي


أشفق على بعض النّاس لشدّة ما يكابدونه - مخلصين - من مشقّة النّصح بأن أتجنّب الخوض في السّياسة ، كما يتجنّب العاقل مرض الجذام ، وأن ، أخصّص وقتي الثّمين كلّه للتّأمّل والهيام مع النّسيم والذّهول مع النّجوم والتّحليق في سماء الجمال مع الطّيور والفراشات كي أبدع شعرا جميلا عليلا محايدا ( تكنوقراط يعني ) ... 
- هؤلاء المتطوّعون لنصحي حجّتهم قويّة دامغة بأنّ الشّعر أرقى من السياسة ، والشاعر أو المبدع عموما ( وربّما حتّى المثقف بشكل أعمّ ) يجب أن يتعالى عن السياسة باعتبارها نجاسة ، ويجب أن يعيش في حالة عذريّة مع أحلامه وأوهامه دون أن يفسدها بمنطق إدارة الحياة العامة اللّعينة ... ويحتجّون كذلك بهذا القول لسارتر وذاك القول لميكيافيلّي وخاصّة ( وهذا الجديد ) حكمة القذّافي المأثورة " من تحزّب خان " وهلمّ جرّا ... 
- أيّها الّذين لا أعرف لهم وصفا يليق بضلالتهم ... 
لقد عرفت السياسة قبل حتّى أن أعرف الشّعر ، السياسة عندي انجراف في حالة الوعي بالقهر والظّلم وأوجاع النّاس و هوانهم على الحكّام ... هذا الوعي الّذي تفتّح باكرا هو الّذي ورّطني أكثر في الشّعر وليس العكس 
- إنّ القول بتحييد الشعر ، أو الفنّ عموما ، عن السياسة ( هذه غفل عنها الحوار الوطنيّ ) هذا القول يعبّر عن حالة غربة وانفصام مزمنة لدى كثير من مثقّفي الصّالونات عن مشاغل الناس وهمومهم ، أولئك الّذين يعتبرون الفنّ حالة عبث ذهنيّ أو نفسيّ وترف بورجوازيّ ونرجسيّة عمياء ، ويعبّر أكثر عن ضعف وعجز ولامبالاة برسالة المثقّف في مجتمعه ، فينبرون إلى هذه الأساليب من التّنطّع اللّغويّ ليوهموا النّاس أنّ الفنّ يكون أرقى وأسمى وأجمل حين يتعالى على معترك السياسة ، وهذا عين الغبن ، لأنّ السياسة - بالمفهوم الشّامل ليس الحزبيّ - تعني الاهتمام بالشّأن العام والمساهمة في إدارة الحياة الجمعيّة ... وهذا شرف لا يدركه إلاّ من لم تتلطّخ نظّارته بأوحال مستنقعات الذّاتيّة المرضيّة 
- إنّه حتّى التّحزّب ، لا يمكن أن يسلب من الإنسان حياده الفكريّ والقيميّ والأخلاقيّ ، إلاّ بقدر استعداده هو للتفريط في تلك الاستقلالية ، ومن الطّبيعيّ أن يتحزّب الشاعر أيضا إن أراد ، باعتباره هو أيضا كائنا سياسيا يعنيه الشأن العام ، ولا يعيش في فراغ نظريّ وموضوعيّ ، العبرة بالرسالة التي سيؤدّيها الفنان من خلال انضمامه لهذا الحزب أو ذاك ، والمحدّد الرّئيسيّ هو شخصية هذا المبدع ، فهو إذا كان ذا شخصية ممتلئة ومؤثرة ، سيؤثر في العمل الحزبيّ أكثر ممّا يتأثّر به ، و يصبح ضمانة إضافيّة لأن لا ينحرف هذا العمل إلى مجرد المصلحة الحزبية المجرّدة ( كي لا أقول الضّيقة التي تستعمل دائما بعد كلمة الحزبية .. من قال إنها ضيقة ؟؟؟) 
- وأخيرا .. هذه الدّعوة فيها احتقار لمكانة الشاعر ودوره في المجتمع ، وفيها غمز ضمنيّ بأنه كائن انفعاليّ لا يصلح للمشاركة في الحياة الواقعيّة ، وفيها تخلّف شنيع وقصور عن فهم دور المثقف كسلطة ... 
وأذكّر هؤلاء فقط بموقف ايميل زولا ، و قضية درايفيس ، ومقولة " أتّهم .." 
شكر الله سعيكم ...
ــــــــــ عبد اللّطيف علوي ـــــــــــــــــــــــ

jeudi 7 août 2014

فجوة الدّماغ ، وقنّ الدّجاج


خبر يتمّ تداوله على مواقع كثيرة ، وكأنّ الجميع اكتشف الذّرّة من جديد ، يشترك في نشره والتّرويج له الأكاديميّ والعامّيّ ، دون أيّ تفكير في صيغته الغريبة و استخفافه بالعقول و كأنه موجّه إلى أطفال سذّج بله متخلّفين ذهنيّا ...

"  فجّرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في كتاب لها أطلقت عليه اسم “خيارات صعبة” ، مفاجأة من العيار الثقيل ، عندما اعترفت بأن الإدارة الأميركية قامت بتأسيس ما يسمى بتنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” المعروف بـ”داعش” ، لتقسيم منطقة الشرق الأوسط ."
من حيث المبدأ ، الخبر لا يتناقض مع فهمنا وإدراكنا لطبيعة الدّور الأمريكيّ في المنطقة ، لكنّ الغرابة في هذا الاعتراف السّاذج لإحدى المرشّحات للانتخابات الرئاسية القادمة ، طبعا عجرفتهم نعرفها ، لكنّ الغباء السياسيّ ليس ممّا يفترض فيهم إلى هذه الدّرجة ..
الأغرب والأعجب يأتي لاحقا ، فيما لا أعرف ماذا أسمّيه : هل هو امتداد للخبر ، أو تحليل أو " تخميرة " سياسيّة للمصدر الّذي بدأ بترويجه ...
شيء أغرب من حكايات السندباد في بلاد الأقزام ... حيث ينقل عنها :  “دخلنا الحرب العراقیة واللیبیة والسوریة وکل شيء کان على ما یرام وجید جدا وفجأه قامت ثورة في مصر وکل شيء تغیر خلال 72 ساعة” .
وتابعت القول “کل شيء کسر أمام أعیننا بدون سابق إنذار، شيء مهول حدث!!، فکرنا في استخدام القوة ولکن مصر لیست سوریا او لیبیا، فجیش مصر قوي للغایة وشعب مصر لن یترك جیشه وحده ابدا”.
وتزید “وعندما تحرکنا بعدد من قطع الأسطول الأميرکي ناحیة الاسکندریة تم رصدنا من قبل سرب غواصات حدیثة جدا یطلق علیها ذئاب البحر 21 وهي مجهزة بأحدث الأسلحة والرصد والتتبع وعندما حاولنا الاقتراب من قبالة البحر الاحمر، فوجئنا بسرب طائرات میغ 21 الروسیة القدیمة، ولکن الأغرب أن رادارتنا لم تکتشفها من أین أتت واین ذهبت بعد ذلك ، ففضلنا الرجوع، مرة أخرى ازداد التفاف الشعب المصري مع جیشه وتحرکت الصین وروسیا رافضین هذا الوضع وتم رجوع قطع الأسطول وإلى الأن لا نعرف کیف نتعامل مع مصر وجیشها”.
إلى أن تصل إلى مخّ الهدرة ، وجوهر الرّسالة الّتي يريد مصمّم هذا الخبر العجيب أن يوصلها "  ومن خلال سیطرتنا علیها من خلال الأخوان و عن طریق مایسمى بـ “الدولة الإسلامیة” وتقسیمها  " ... 
حقيقة يجب أن يكون الإنسان على غاية مهولة من التّجمّد الدّماغيّ كي لا يرى في هذا الخبر بصيغته الموسّعة هذه ، قذارات إعلام الفلول ولاعقي البيادة ... يجب أن تكون على قدر استثنائيّ من التّصديق بالأولياء الصّالحين والتّراب السّخون ، لبتلع هذه التّرّهات السّخيفة ، وتصدّق أنّ " ثورة 30 يوليو " لم تكن صناعة أمريكيّة ، وأنّ أمريكا كانت ستهاجم مصر ، لولا أنّها فوجئت بــ :" ذئاب البحر المصريّة " والطّائرات الـ" الغريبة " التي لم تجد لها كلينتون ومن معها تفسيرا ، وخوفها من " التفاف الشعب حول جيشه العظيم .." 
يعني باختصار خطاب سيساوي بهيم ومقرف ، يذكّرنا بخطاب الإعلام المصريّ الّذي أخبرنا ذات يوم بأنّ السيسي هدّد أمريكا بإحراق أسطولها في المتوسّط ، وبأنّ حكم الإخوان مصلحة أمريكية وإسرائيليّة ينتهي باعتراف كلينتون بأنها " كانت في راحة استراتيجية وتسيطر على مصر وتخطط لتقسيمها عبر الإخوان و ( هنا الأخطر ) مع بقية الجماعات الجهادية الإرهابية ) وهذا معناه أنهم جميعا في نفس السّلة ويقومون بنفس الدور ...
طبعا فوق كلّ هذا الخرّ طرّ ، لم يسأل أحد نفسه : على فرض أنّ كلّ هذا التحليل صحيح ... هل يتصور عاقل أو مجنون ، أنّ الشيطان يمكن أن يجلس على كرسيّ الاعتراف بهذه البساطة ويعترف بكلّ جرائمه الاستراتيجية .. هكذا بكل بساطة ، ولأجل عيون الحقيقة وحدها ..
كثيرون يستعملون فجوة الدّماغ لديهم كمجرّد قنّ للدّجاج ... لا أكثر ..
ترويج مثل هذا الخبر بمثل هذه السّذاجة والسّخافة ، حتى من طرف الأكاديميين ، يدلّ أنّنا مازلنا في مرحلة النّقل .. ومازالت أمامنا سنوات ضوئيّة حتّى نصل إلى مرحلة العقل ..
 ــــــــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي ــــــــــــــــــــــ 

lundi 4 août 2014

رسالة إلى مثقف " جذريّ " فايسبوكي


الفايس بوك ساحة خطيرة ، تجمع من النّاس من لا جامع بينهم ، وتسمح بتبادل التّأثّر والتّأثير بشكل مفتوح ومباشر ... وخطير ...
هناك من المثقفين " الشرفاء " ( هذه تذكّرني بالمواطنين الشّرفاء متاع السيسي) من أدرك هذه الحقيقة ، وفتح ساحة لمعركته في هذا المجال ، بكثير من التّواضع ، و قليل من النرجسية ، واقتناع بأنّ ما سوف ينغرس في قدميه من أشواك ،هو جزء من رسوم المعرفة والكرامة في آن ، يدفعها باقتناع وهو يمدّ يديه ليمسح رماد الجهل والعادات " العميقة " الضّاربة في النفوس والعقول ..
وهناك من يمارس نوعا من الاستمناء الثقافي والثوريّ  ، وهو من حين لآخر يذكّرك بأنّه السيد المطلق على حائطه ، ولا يقبل من الرّأي إلاّ ما زغرد وصفّق وجمجم وبرتج في إذعان تامّ ودون إزعاج لراحة السيد المشغول في توليد الرّؤى والطّلعات والسّلع الفكريّة المختومة والمرفقة حصريّا بكاتالوج الاستعمال  
- ثمّة من هؤلاء من لا شأن له في الثقافة سوى حفظ الأسماء .. أسماء مفكرين من كلّ الجنسيات وبكلّ اللغات ..، وكلما كانت الأسماء مغمورة وغريبة كان انتشاؤه بنطقها وذكرها أشدّ .. أسماء بالآلاف يجب أن يستشهد بها في كلّ جملة ليمارس عليك قصده في الصّدمة والترويع ، فتخجل من حجم عقلك الصّغير ، و تنبهر من سعة دماغه واطّلاعه ... و تحجم عن مناقشته وتسلم له بالريادة والسيادة ..
- نفس هذا النوع ستجده يقضي الوقت كله في توليد مصطلحات وتوليفات لغوية وتركيبية غريبة ، و تأثيرها الأكبر هو في تهجير المعنى والتعمية عليه وتسويد مرايا الإدراك لدى المتلقّي ... ومرّة أخرى ، يتحقّق له فعل الإبهار ويسقط المُدْرَكُ ..
- بعض هؤلاء أيضا ، ستجدهم يتذمّرون طول الوقت من تهافت الرّعاع والعامّة ، وينعتونهم بشتّى القوالب الشّتائميّة الجاهزة ، فهم مرّة غوغاء ، ومرّة نفايات ايديولوجيّة ، ومرّة صغار قُصّر غير معنيّين بمناقشة أطروحاتهم العظيمة ... يمارسون عليهم كلّ عقد النقصان الّذي يتحوّل إلى إحساس بالتفوق 
- ومنهم من يرمي الكرة للاّعبين في ملعبه ، ويشرف عليهم من أعلى ربوة في نفسه ، كأنه يصنع بحرا للصياد وللسمكة ، ويظلّ يراقب أيهما ستزلّ به القدم وتقمّطه الشبكة ( التعبير ليوسف رزوقة )  فيستمتع بتباريهم في تحليل مفاتيح عبقريته و لا يكلّف نفسه مجرّد التّواصل مع مشاركيه ولو بتعليق يوضّح فكرة أو يناقش اعتراضا أو يراجع موقفا ...
- ومنهم من يتلذّذ طول الوقت بأن يصوّر نفسه ضحيّة لليمين واليسار ، فيجتهد في تأويل أيّ رأي يناقش فكرة من أفكاره في هذا الاتّجاه .. يسلخها ، وينفخها ، ويحوّل معناها بليّ الذّراع لتصبح في عرفه وفي عرف المصفقين عدوانا مبينا على مواطن العفة والطهارة الفكرية والايديولوجية لديه ..
ــــــــــــــــ أيّها المثقّف الجذريّ الفايسبوكيّ العظيم : 
اعلم أعزّك الله أنّ حائطك ليس حائط البراق الشّريف ... فلا تمنّ علينا بأنّك أدخلتنا إلى رحابه وكأنّك آويتنا من ضياع وآمنتنا من ضلال .
واعلم أعزّك الله أنّ هؤلاء الغوغاء الّذين تتعالى على تعليقاتهم القاصرة أمام عظمة بنيانك ، هم أصحاب الفضل في نشر أفكارك والتعريف بها وإثارة الجدل حولها ، ولولاهم لكنت في حكم المعتكف في حائط المبكى ، حائطك .
واعلم أعزّك الله ، أنّ مناقشة الفكرة ، أيّا كانت ، أسهل بكثير ، وأنفع بكثير ، من صرف الجهد في إثارة الغبار النّظري والمنهجي والايديولوجيّ حولها ، وتقزيم أصحابها أو فرزهم وتصنيفهم 
واعلم ، أعزّك الله ، أنّ من أراد أن يكون في صفّ المقهورين والبسطاء ، يجب أن يلبس لباسهم و يتكلّم لغتهم ويفهم ويحذق استعاراتهم ، كي ينفذ إلى قلوبهم قبل عقولهم ، أمّا التعالي الأكاديميّ و قفازات البيروقراطية المعرفيّة ، فلا تستطيع أن تبلغ بها أكثر من غنيمة التّجمّل أمام المرآة ..
واعلم في الختام -  أعزّك الله دائما - أنّك لست معنيّا شخصيّا بهذا النّصّ ، إلاّ بقدر ما تجد نفسك داخله ، وبقدر ما تهمس لك نفسك في خلوتك : ها أنت ذا ...
وأنّك تستطيع أن تقرأه بعنجهيّة من تأخذه العزة بالاثم ، فيضحك ملء شدقيه حتّى يستلقي على قفاه ... أو أن يفتح في جداره العازل ، فتحة ، ولو بحجم ثقب إبرة ، يمرّ منها الضّوء إلى روح عميقة في قلب مثقف جذري حقيقيّ ...
ـــــــــــــــــــــ عبد اللطيف علوي ـــــــــــــ

dimanche 3 août 2014

غزّة تفتح الأفق .. من جديد ..


أذكر أوّل ردود الفعل على الثورة التونسية ، يوم 14 جانفي ... كانت هناك ردود فعل كثيرة ، بعضها صادق ومبدئيّ ، وبعضها انتهازيّ ومخاتل للحظة الربكة التي أصابت العالم يومها ( نتذكر موقف أوباما الذي وقف ومعه الكنغرس تحية للثورة التونسية ، لكنه بعد ذلك استعاد بوصلة المنطق الإمبريالي في السياسة الأمريكية تجاه الربيع العربيّ ..) 
أكثر موقف بقي عالقا في ذهني من تلك الأيّام ، عبارة وردت على لسان المفكر العربيّ عزمي بشارة ، عندما سألته مذيعة الجزيرة ما هي قيمة هذا الحدث بالنسبة إليك ؟ أتذكّر قوله يومها : قيمتها الكبرى أنّها فتحت الأفق ... 
نعم ... ذاك هو فضل الثورة التونسية أنها فتحت الأفق ، أمام واقع عربي جديد بعد عقود من الانسداد الكامل أمام كلّ قوى الفعل والتغيير ، والفشل العربيّ المزمن في مواجهة أمراضه الدّاخلية ، وعدوّه الخارجيّ ...
لكنّ تحالف الثورة المضادّة عاد بأقصى ما يمكن من العنف والدموية والاستلاب ليغلق هذا الأفق مجدّدا ويختمه بالشّمع الأحمر و يضع آلاف الأقفال على بوابة هذا المشروع نهائيّا ، فعدنا - أو كدنا - مرة أخرى إلى حالة الانسداد ... انسداد الأفق ...
ما فعلته غزّة اليوم أنّها أعادت فتح الأفق من جديد ... غزة هي انطلاق للربيع العربي من جديد ، وولادة ثانية له ، بعد ولادة 14 جانفي ... غزة تفتح الأفق من جديد وتقول للإنسان العربيّ : مازال مصيرك بين يديك ، وسيبقى ... إن كنت حقّا - لا مجازًا - تريد ذلك ، ولو تحالف ضدّك كلّ جنود السماء والأرض ... مازال مصيرك بين يديك 
ـــــــــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي ـــــــــــــــــــ

إسرائيل ... والأهداف الثّلاثة

حروب إسرائيل ضدّ العرب ، أو ضدّ من ادّعى حربها من العرب ، مرّت  بثلاثة أهداف استراتيجيّة ، تتماشى مع كلّ مرحلة ..
1) سنة 48 كان الهدف الاستراتيجيّ كسب المجال ، وإحلال المشروع على الأرض وجعله حقيقة ميدانية وواقعا مفروضا ... ونجحت في ذلك 
2 ) سنة 67 و73 كان الهدف الاستراتيجي الأول : كسب الشرعية و انتزاع الاعتراف الإقليميّ ... فلو أرادت إسرائيل في هاتين الحالتين المزيد من الأرض لاستطاعت ، وربما كانت الآن  بعض العواصم  تحت الاحتلال المباشر ( لا يجب أن ننسى أنّ القوات الصهيونية سنة 73 توقفت على بعد 91 كم من القاهرة ... هذا تذكير للّذين مازالوا يؤمنون بأكذوبة النصر المظفر في تلك الحرب ..) ومرّة أخرى تحقّق الهدف الاستراتيجي الثاني ، بالوصول إلى كامب ديفيد سنة 79 ، وبفتح أبواب التطبيع على مصراعيها إلى حدود أوسلو ، وبدء مسار تصفية القضيّة الفلسطينية على أساس التسوية 
3) الهدف الثالث بدأ الاشتغال عليه منذ حرب 82 وما تلاها .. 2006 وحروب غزّة المتتابعة ( يمكن اعتبارها معارك داخل حرب واحدة ... لكن ليس هذا هو المهمّ الآن ) 
الهدف الثالث هو تثبيت أسطورة الرّدع الإسرائيلية ، لضمان أن لا تتكرر مثل تلك الحروب النظامية الأولى ... وهنا ... كان الفشل الذّريع ... في جنوب لبنان وفي غزة 
الصهاينة يعرفون أنه لا قيمة تاريخية على المدى البعيد ، للهدفين الأول والثاني ، مالم يتحقق الهدف الثالث ، ولذلك سوف يذهبون إلى أقصى درجات التّوحّش لكي لا يسقط هذا الهدف ... ( أو ليقنعوا جمهورهم أنه لم يسقط ..) لكنّ الأمر قد قضي .
مشكلة الهدف الثالث أنه ليس موضوعيّا ، بالمعنى العسكريّ ، هو هدف لا يتحقق إلاّ من خلال صراع الإرادات ، وهنا يأتي التّفوّق الباهر للنموذج الجديد من الإنسان الفلسطيني اللبناني المقاوم / العربي لاحقا ... 
ثمّة حقيقتان لا يجب نسيانهما أبدا :
الأولى أنّه في أيّ حرب ، لا يمكن إعلان الانتصار إلاّ في إحدى حالتين : القضاء على عدوّك تماما ، أو إقراره بالهزيمة ... مادام عدوك لم يقرّ بهزيمته ولم يعترف لك بالنصر ، فلن تستطيع مهما فعلت أن تنتزع منه ماتريد ، لغير رجعة... إسرائيل لم تستطع ، ولن تستطيع إبادة أعدائها الّذين يحيطون بها في دوائر متتالية : فلسطينية ، عربية إقليمية ، عربية قومية ،..
كما أنّها لم ولن تستطيع انتزاع التسليم بالهزيمة والاعتراف بانتصاراتها مهما أوغلت في التقتيل واستفرغت كلّ ما في جعبتها من فاشية وفرانكشتاينية ..
ماذا يبقى إذن ؟؟
يبقى المفعول الارتدادي لسقوط الهدف الاستراتيجي الثالث .. كثيرون آمنوا بذلك ، واليوم يؤمنون به أكثر من أيّ وقت مضى ... 
ـــــــــــــــــ عبد اللطيف علوي ـــــــــــــــــــ

بورقيبة مرة أخرى ..


كنت في خرجة مع ابنتي الصّغرى ، أتعبتني فيها كثيرا ... وما أحلاه من تعب ، فعدت إلى البيت مهدودا وقد برّح بي ظهري أوجاعا لا تلين ... ولم تكن بي أية قدرة على النقاش أو رغبة فيه ، لكن تغريدة أحد الأصدقاء ،  استفزّتني إيجابا ، وإن كنت  أتفق معه في عموم القول ونختلف في التّحليل ...

ثمة من يريد أن يجعل لبورقيبة حصانة بعد الموت مثلما كان يستأثر لنفسه بالحصانة في حياته ، بدعوى اذكروا موتاكم بخير .. وما هو مفهوم الخير لديهم ؟ لا تنقدوه ولا تحركوا التراب البارد / أو الساخن تحت رأسه ..
التاريخ لا علاقة له بهذه الاعتبارات الأخلاقوية الدّياري .. التاريخ يقيم وينقد ويجرح ويعدل ويستخلص العبر ، أما مسألة الرحمة والعقاب ، فهي أمر إلاهي لا دخل لنا فيه 
احترام الميت لا يتعارض أبدا مع نقد سيرته وتحميله مسؤولية ما اقترفت يداه ، والتقييم السياسي لتلك المرحلة هو من صميم الأخلاق الوطنية والدينية على حدّ سواء ... 
احتفالات اليوم بعيد ميلاد بورقيبة هي احتفالات مأساوية ، لأنها إحياء لطقوسية استبدادية ودعائية عشناها سنين طويلة ، وكان يهدر فيها من المال العام ( طيلة شهر كامل ) في شكل جوائز للمتسابقين في مدحه وتأليهه من الفرق والشعراء وكل مصاصي الدم الشعبي .. أتذكرها جيدا : حضرات في كل ولاية ومعتمدية طيلة أسابيع ( أما في القصر فلا تحدّث ..) 
بعد ذلك يأتي من لا يستحي ليقول لنا بورقيبة لم يسرق .. وما هو مفهومك للسرقة ياروح أمك ؟؟ كل تصرف في غير ما  تملك بدون وجه حق  هو خيانة مؤتمن وسرقة موصوفة ... بالملايين الملايين ...
أكثر من ذلك يدهشني نبوغ بعض الأكاديميين أو المحايدين جدّا حين ينسّبون الأمر بكلّ بساطة ويخرجونه من إطار التقييم التاريخي ، ويقولون لك بكل اطمئنان منهجي : لقد كان بشرا ككل الناس يخطئ ويصيب ... وبالتالي لا تشيطنوه ولا تؤلّهوه ... مالا آش نعملولوا؟ ...

الكلام بهذه العمومية والمعيارية يمكن أن يصح في تقييم أخلاقي لأي إنسان عاديّ ، ليس لزعيم سياسي صنع تاريخ بلد كامل لستين عاما ( بحلوه ومرّه و مرّه ومرّه .. )

نحن نريد أن يفتح الباب دون حصانة ، لتقييمه تقييما حرّا عامّا مباشرا وغير سرّي .. ولن ننحو إلى ذلك مادمنا نطبطب على مشاعره في القبر ، ونراعي خواطر الناسكين على قبره ... عندما تقولون هو أخطأ في أشياء ، هات نتّفق أولا في حدود التمييز بين الخطأ والجريمة ، وسنرى إن كان أخطأ أم أجرم ؟؟
- هل قتل المعارضين خطأ أم جريمة ..( الآلاف : يوسفيين ومعارضين ..)
- هل ارتهان الدولة لشمولية الحزب الواحد أخطاء أم جرائم ؟
- هل السجن والتعذيب أخطاء أم جرائم ؟
- هل تفقير جهات بأكملها لعقود طويلة والتسبب في مآسي اجتماعية وحضارية  خطأ أم جريمة ؟
- هل التّآمر مع المحتل لضرب المقاومين الذين لم يسلموا الأسلحة خطأ أم جريمة ؟
- هل فتح الباب للعائلات المافيوية للتحكم في مصير البلد خطأ أم جريمة ظ
- هل توريثنا للكلب بن علي خطأ أم جريمة ؟ أليس هو من أتى ببن علي وملّكه رقابنا لعقدين آخرين خطأ أم جريمة ؟
بعيدا عن العموميات التي لا غاية منها سوى تسطيح الموضوع وتمييعه و قمع النقاش حوله ، لن يكون لهذا الجدل أيّ معنى مادامنا ننطلق من مقولات ياسيد الأسياد أو أخلاقويات عامّية لا دينية ( من حيث السياق ) من نوع اذكروا محاسن موتاكم ، فهذا الحديث لا يصحّ بإطلاق ... لا يصحّ في باب المواجهة التاريخية لأزماتنا وانتكاساتنا .
( يتبع ) 
ــــــــــــــــــــــــ عبد اللطيف علوي ــــــــــــــــــــــ

vendredi 1 août 2014

إسرائيل ... والأهداف الثّلاثة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حروب إسرائيل ضدّ العرب ، أو ضدّ من ادّعى حربها من العرب ، مرّت  بثلاثة أهداف استراتيجيّة ، تتماشى مع كلّ مرحلة ..
1) سنة 48 كان الهدف الاستراتيجيّ كسب المجال ، وإحلال المشروع على الأرض وجعله حقيقة ميدانية وواقعا مفروضا ... ونجحت في ذلك 
2 ) سنة 67 و73 كان الهدف الاستراتيجي الأول : كسب الشرعية و انتزاع الاعتراف الإقليميّ ... فلو أرادت إسرائيل في هاتين الحالتين المزيد من الأرض لاستطاعت ، وربما كانت الآن  بعض العواصم  تحت الاحتلال المباشر ( لا يجب أن ننسى أنّ القوات الصهيونية سنة 73 توقفت على بعد 91 كم من القاهرة ... هذا تذكير للّذين مازالوا يؤمنون بأكذوبة النصر المظفر في تلك الحرب ..) ومرّة أخرى تحقّق الهدف الاستراتيجي الثاني ، بالوصول إلى كامب ديفيد سنة 79 ، وبفتح أبواب التطبيع على مصراعيها إلى حدود أوسلو ، وبدء مسار تصفية القضيّة الفلسطينية على أساس التسوية 
3) الهدف الثالث بدأ الاشتغال عليه منذ حرب 82 وما تلاها .. 2006 وحروب غزّة المتتابعة ( يمكن اعتبارها معارك داخل حرب واحدة ... لكن ليس هذا هو المهمّ الآن ) 
الهدف الثالث هو تثبيت أسطورة الرّدع الإسرائيلية ، لضمان أن لا تتكرر مثل تلك الحروب النظامية الأولى ... وهنا ... كان الفشل الذّريع ... في جنوب لبنان وفي غزة 
الصهاينة يعرفون أنه لا قيمة تاريخية على المدى البعيد ، للهدفين الأول والثاني ، مالم يتحقق الهدف الثالث ، ولذلك سوف يذهبون إلى أقصى درجات التّوحّش لكي لا يسقط هذا الهدف ... ( أو ليقنعوا جمهورهم أنه لم يسقط ..) لكنّ الأمر قد قضي .
مشكلة الهدف الثالث أنه ليس موضوعيّا ، بالمعنى العسكريّ ، هو هدف لا يتحقق إلاّ من خلال صراع الإرادات ، وهنا يأتي التّفوّق الباهر للنموذج الجديد من الإنسان الفلسطيني اللبناني المقاوم / العربي لاحقا ... 
ثمّة حقيقتان لا يجب نسيانهما أبدا :
الأولى أنّه في أيّ حرب ، لا يمكن إعلان الانتصار إلاّ في إحدى حالتين : القضاء على عدوّك تماما ، أو إقراره بالهزيمة ... مادام عدوك لم يقرّ بهزيمته ولم يعترف لك بالنصر ، فلن تستطيع مهما فعلت أن تنتزع منه ماتريد ، لغير رجعة... إسرائيل لم تستطع ، ولن تستطيع إبادة أعدائها الّذين يحيطون بها في دوائر متتالية : فلسطينية ، عربية إقليمية ، عربية قومية ،..
كما أنّها لم ولن تستطيع انتزاع التسليم بالهزيمة والاعتراف بانتصاراتها مهما أوغلت في التقتيل واستفرغت كلّ ما في جعبتها من فاشية وفرانكشتاينية ..
ماذا يبقى إذن ؟؟
يبقى المفعول الارتدادي لسقوط الهدف الاستراتيجي الثالث .. كثيرون آمنوا بذلك ، واليوم يؤمنون به أكثر من أيّ وقت مضى ... 
ـــــــــــــــــ عبد اللطيف علوي ـــــــــــــــــــ