vendredi 25 décembre 2015

لَسْتُ منهمْ...


لَسْتُ منهمْ...
لَسْتُ مِنهُمْ أَنا ..
لَسْتُ مِنْ هؤلاَء الَّذِينَ يَتِيهُونَ مِثْلَ السَّكَارَى ..
ويَرْغُونَ مِثْلَ الزَّبَدْ!
شُعَرَاءُ، يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ في مَجالِسِهِمْ،
ويُدِيرُونَ فوْقَ الرُّؤُوسِ كُؤوسَ النَّكَدْ!
شُعراءُ يَحُطُّونَ مِثْلَ الذُّبابِ على الدَّمِ،
أَوْ يَغْمِسُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي .... مَواضِعَ شَتَّى ...
ويَأْتُونَ شِعْرًا رَدِيئًا، بَذِيئًا قَمِيئًا ...
بِلاَ وَالِدٍ أَوْ وَلَدْ! !
هَؤُلاءِ الَّذينَ تُجَمِّعُهُمْ حولَ سَقْطِ الْمَوائِدِ،
رائِحَةُ التَّبْغِ والْغَنَجُ الأُنْثَوِيُّ،
ومِلْحُ الْجَسَدْ!
وتُجَمِّعُهُمْ حانَةٌ في الشّدائدِ،
أَوْ عَرَقُ الْعاهِراتِ بِلاَ مَوْعِدٍ ...
وَ يُفرِّقُهُمْ دَمْعُ هذا الْبَلَدْ .. !
لَسْتُ مِنْ هؤُلاءِ أَنا ...
لَسْتُ فيهِمْ أَحَدْ!
ولَسْتُ مِنَ السّادةِ الْعابِثِينَ،
وَ لاَ أَسْتَسِيغُ حَدِيثَ الْحَداثَةِ وَ الْمُحْدَثِينَ ..
ولاَ أَحْمَرَ الشَّفَتَيْنِ عَلى طَرَفِ الْكَأْسِ،
أَوْ بَذَخَ الْجِنْسِ في أَيِّ نادٍ ..
بِلاَ خَجَلٍ أَوْ عُقَدْ!
لَسْتُ مِنْهُمْ أَنا أَوْ إِلَيْهِمْ ..
ولَسْتُ أَنا مَنْ يَقُولُ:
" نُحِبُّ الْبِلاَدَ كَما لاَ يُحِبُّ الْبِلاَدَ أَحَدْ!"
مَا أنا صالِحٌ في ثَمُودٍ،
لِأَزْعُمَ أَنِّي ..
" أُحِبُّ الْبِلاَدَ كَما لاَ يُحِبُّ الْبِلاَدَ أَحَدْ!"
إِنَّنِي يَا رفيقُ أُحِبُّ الْبِلاَدَ ..أَجَلْ !
غَيْرَ أَنِّي ..
أُقَدِّرُ أَنَّ الْكَثِيرِينَ مِثْلِي
وأَكْثَرَ مِنِّي أَنا – رُبَّمَا – أَوْ أَقَلَّ،
يُحِبُّونَ هذَا الْبَلَدْ!
لَيْسَ عَيْبًا بِأَنْ لاَ نَكُونَ جميعًا علَى شِرْعَةٍ واحِدَهْ ..
إِنَّمَا الْعَيْبُ أَنَّا ..
نُصَادِرُ حُبَّ الْبَلَدْ!
وَ لَسْتُ أُحِبُّ الْبِلاَدَ الّتِي يَمْدَحُونَ ..
بِلاَدٌ ... نَراهَا فقَطْ فِي القصائدِ،
والْخُطَبِ الْمَلْحَمِيَّةِ، والْكُتُبِ الْمَدْرَسِيَّةِ،
فِي المَهرجاناتِ، والْمَسْرَحِ الْبَلَدِيِّ
وفِي شَرِكاتِ التَّوحُّشِ، أَوْ قَنواتِ الدَّعارةِ،
والنَّمَطِ الْمُسْتَبِدْ!
أُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي تَعْجِنُ الْخُبْزَ مِنْ قَمْحِهَا ..
وَ الَّتِي تُرْضِعُ الْبِيدَ مِنْ جُرْحِهَا ..
والَّتِي تَحْرُسُ النَّائِمِينَ جَمِيعًا،
وتُوقِظُهُمْ في الصَّباحِ علَى مَا تَعِدْ!
وَأُحِبُّ الْبِلادَ الْعَمِيقَةَ،
تِلْكَ الَّتِي تتَكدَّسُ في شَارِعٍ ضَيِّقٍ،
قُرْبَ مَبْنَى الإِذاعةِ والتِّلِفِزْيُونِ،
مَنْسِيَّةً فِي شُقُوقِ الرَّحَى ...
لاَ يَراهَا أَحَدْ .. ! !
وَأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالْقَلِيلِ،
وَ تتْرُكُ أَبْوابَها .. كُلَّ أَبْوابِها في الْحَوادِثِ،
مُشْرَعَةً لِلسَّبِيلِ!
وتَقْطَعُ مِنْ لَحْمِها للْجِياعِ،
إِذا لَمْ تَجِدْ!
وأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي تَنْطَحُ الصَّخْرَ في اللَّيْلِ،
أَوْ تَمْسَحُ الطُّرُقَاتِ الْحَزِينةَ،
أَوْ تتَحَسَّسُ دَرْبَ النُّجُومِ ...
وتَعْلُو بِها لِلأَبَدْ!
وأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي يَكْبُرُ الْحُرُّ فِيهَا،
وَ لاَ يَصْغُرُ ..
والَّتِي تَرْتَوِي مِنْ دَمِ الشُّهَداء،
وَلاَ تَسْكَرُ .. !
والَّتِي لَيْسَ فِيها " شَقِيفُ!"
ولاَ جائِعٌ أَوْ طَريدٌ ولاَ مُضْطَهَدْ!
وأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي لاَ أَرَى فِي مَجَاهِلِهَا..
طائِرًا حَائِرًا لَيْسَ يَدْرِي إِلَى أَيِّ حَتْفٍ يَطِيرُ
بِلاَ صَاحِبٍ أَوْ سَنَدْ!
وَأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي لاَ تَرُدُّ بَنِيها ..
ولاَ تُغْلِقُ الْبَابَ،
حتَّى يَعُودُوا جَمِيعًا إِلَى حُضْنِهَا طَيِّبِينَ
ولاَ تَقْطَعُ الْحَبْلَ، حَبْلَ الرُّجوعِ، لِمَنْ غَرَّهُ الذِّئْبُ ...
مَهْمَا جَفَا، أَوْ نَأَى، وابْتَعَدْ!
وأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي ...
تَعْرِفُ الشُّعَرَاءَ جَمِيعًا،
بِأَسْمائِهِمْ وَ بِأَوْصَافِهِمْ .. !
مِثْلَمَا تَعْرِفُ الشُّهَدَاءَ جَمِيعًا،
بِأَسْمائِهِمْ وَ بِأَوْصَافِهِمْ .. !
وأُحبُّ البِلاَدَ الَّتِي ... لاَ تَرَانِي ...
ولاَ أَدَّعِي أَنَّ لِي فِي النّهايةِ،
أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ شَخْصٍ بَسِيطٍ يَعِيشُ عَلَيْها ..
بَغَى أَوْ طَغَى أَوْ زَنَى ... أَوْ سَجَدْ! !
فَكَيْفَ إِذَنْ للَّذِي أَسْكَرَتْهُ الْقَصِيدةُ، وَالْجَوقةُ الصّاخِبَهْ
أَنْ يَقُولَ، كَمَا قَالَ، أَوْ يَعْتَقِدْ؟ !
أَنّهُ، كَائِنًا مَنْ يَكُونُ،
" يُحِبُّ الْبِلاَدَ كَما لاَ يُحِبُّ الْبِلاَدَ أَحَدْ!"

vendredi 19 décembre 2014

ورقتانِ على الطّاولهْ ...عبد اللطيف علوي


الآنَ ، بعد سنينَ من عبثِ الحياةِ ،
وألفٍ حملٍ كاذبٍ ..
آن الأوانُ لكي تعودَ إلى سمائِكَ زاحفًا يا ابنَ البلدْ
ما عاد بيتُكَ منْ زُجاجٍ كي تنامَ مُفتَّحَ العينينِ كالسّمكِ الطّريدِ ،
ولا طعامُكَ من ضَريعٍ
كي تجوعَ إلى الأبدْ
الآنَ ، والأبوابُ مُشرعةٌ على كلّ احتمالِ
قدْ تسيرُ لخطوةٍ أو خُطوَتينِ ، وتستديرُ ...
فلا ترى أثرًا لبيتِكَ أو لقبرِكَ في الرّمالِ
قد تحُطُّ على الجبينِ رصاصةٌ  ضلَّتْ طريدتَها
وقدْ تحيا بها زمنًا طويلاً ..
كالّذي جرّبتَ ذُلّهُ ، مرَّةً تحت النّعالِ ..
قد تعيشُ لفرصةٍ أخرى فقطْ ، أو لا تعيشُ ..
لتستردَّ كرامةَ امرأةٍ تُبيحُكَ سرَّها
وتقول : مَهري - إن أردتَ حبيبةً – شرفُ الرّجالِ
قد تهونُ أمام طفلٍ نامَ يومًا فوقَ زندِكَ مُطمئنًّا ،
وهو يحسبُ أنّ عينكَ لن تنامْ
وبأنّها ستظلُّ تحرُسُهُ
من العنقاءِ والظّلّ المُخاتلِ والعناكبِ في الظّلامْ
ومن الكوابيسِ اللّعينةِ ،
من عيونِ السّاحراتِ السّاهراتِ على كتابهِ ، خلفَ بابِهِ
تبتغي دمهُ الحرامْ
قد تهونُ أمامَ طفلكَ ، وهو يُمعنُ في السّؤالِ
أوَ لم تقُلْ لي ذاتَ يومٍ :
إنّ سيّدَ قومِهِ من شابَ في طلبِ المُحالِ ؟؟
أوَ لمْ تقلْ لي : إنّني سأصونُ حُلمَكَ يا بنيَّ
ولو تناسلتِ العقاربُ في يديَّ
ولو تعانقتِ الخناجرُ في الحناجرِ ،
أو "  تكسّرتِ النّصالُ على النّصالِ " ؟؟
الآنَ والأبوابُ مُشرعةٌ تمامًا .. آنَ لكْ
أن تقتفي أثرَ الدّماءِ على قميصِكَ ،
سوف ينجو من نجا رغم الحرائقِ ،
ثمّ يهلَكُ من هلَكْ ..
ستقولُ : ما دَنتِ البلادُ ونخلُها أبدًا لنا ..
فلأيِّ غايَهْ ؟؟
سوف نحملُها على الأكتافِ مِقْصَلةً ورايَهْ ؟
كلُّ ما فيها علينا يا شقيُّ مُحرَّمُ
حتّى صلاةُ العاشِقينَ ببابِها صارتْ غوايَهْ   
ستقولُ أكثرَ أو أقلَّ ...
وقد أقولُ كما تقولُ وأدَّعي بعضَ البطولَهْ !!
غير أنّي يا صديقي
صرتُ أخجلُ من مواقفِنا الخجولَهْ ..
لي زهرتانِ .. وثالِثَهْ ...
وأريدُ أن أحيا ليومٍ ، أحتسي معهنَّ كأسَ الشّايِ دون مرارةٍ
وأقولَ في غدهنَّ شعرًا صرتُ أخجلُ أن أقولَهْ ..
ليَ نحو من أحببتُهُمْ ندَمٌ كثيرٌ ..
واعتذاراتٌ قليلَهْ
لي ما قبضتُ وما بسطْتُ ،
غير أنّ قصائدي تأبى السّقوط وإن سقطتُ ...
عن رؤايَ المستحيلَهْ
يا صاحبي ..
هذي البلادُ صغيرةٌ جدًّا كحبّةِ خردَلِ ..
وفقيرةٌ جدًّا .. كقبضةِ مِنجلِ
ومريرةٌ جدًّا ... كجرعةِ حنظلِ 
وحزينةٌ جدّا .. كنايٍ  مُهمَلِ
فلمن سنترُكُها ؟؟
لجلاّدٍ يعودُ اليومَ مسلولَ اللّسانِ  ،
ويرتدي جلدَ الضّحيّهْ ؟؟
لحمامةٍ مَوجوعةٍ ، لمْ تَقْوَ يومًا أن تثورَ
على غريزتِها الغبيَّهْ ؟
لمحاربِ السّامُورايِ يُغْمِدُ في النّهايةِ سيفَهُ في قلبِهِ ،
ويقولُ : عذرًا .. لا وصيَّهْ ؟
لمثقّفِ البترولِ يكتبُ عن حضارتِهِ لحضرتِهِ ،
وعن أرضٍ بلا شعبٍ ، وشعبٍ دونما أرضٍ ،
ويُغلقُ بابَ حجرتِهِ إذا شبَّ الحريقُ لكيْ ينامْ ؟؟
ولمن سنترُكُها ؟؟
لشيخٍ فهلوِيٍّ سوفَ يبقى أينما سرْنا يُطارِدُنا
بمطرقةِ النّظامِ على العظامْ ؟؟..
خلَصَ الكلامْ ..
لم يعُدْ بي رغبةٌ للاستعارةِ والمجازِ ورقصةِ الأوزانِ في بَذَخِ المعاني ..
خلصَ الكلامْ ..
ربّما صارَ الكلامُ – وإنْ أضلَّ – أقلَّ كفرًا ..
من دروسِ الصّمتِ في هذا الزّحامْ ..
خلَصَ الكلامْ ...

lundi 18 août 2014

أمنية أخيرة


الرّوح تكسّرت إلى غير عودة


غزّة ورابعة شقيقتان ذُبِحتا بنفس السّكّين ...
 الجريمة فيهما واحدة ، والمشروع فيهما واحد ...
في مثل هذا اليوم حدثت أبشع مجازر الحكّام العرب ضدّ شعوبهم ، بمباركة وتحريض وتغطية من فئة من شركاء الوطن ،
جيل المسخ الحضاريّ والتّشوّه البشريّ الّذي أنتجته دول الحداثة الوطنيّة الوريثة لمصالح الاستعمار وثقافته و عنصريّته 
في مثل هذا اليوم ، تهتّك النّسيج الرّوحي والاجتماعي للإنسان العربيّ إلى أجل لن يكون قريبا ..
جريمة فضّ رابعة والنّهضة ، سبقتها وتلتها عشر مجازر أخرى على الأقلّ ، أشّرت كلّها إلى أنّ العصر العربيّ الجديد سيقوم على فرانكشتاينيّة غير مسبوقة في استهداف الحاكم للمحكوم ..
كان الهدف واضحا : إحداث الحدّ الأقصى من الصّدمة والتّرويع لقطع الطّريق أمام أيّة محاولة عربيّة جديدة للشّذوذ عن الطّوق ، والإعلان عن زمن عربيّ أشدّ توحّشا من كل ما مرّ في تاريخه ...
لأوّل مرّة شاهد العالم كلّ فصول الجريمة على الهواء مباشرة ،
واستمرّ القتل والسّحل والحرق ما يزيد على عشر ساعات ، والضّمير العالميّ المأجور يتابع بكلّ تشفّ مفضوح ، أو لامبالاة غريبة .. في أقلّ توصيف
... قبل رابعة وبعدها ، ظهر جيل عربيّ واضح من المفوّضين في السّرّ والعلن ، على اجتثاث طرف بعينه ،
و عبرت ثقافة التّفويض كلّ الحدود ، في مسعى لإعادة تكرار سيناريو الجريمة المصريّة في كلّ ساحة عربيّة تنادي بالتّحرّر ...
بعد رابعة صرت أكثر وحدة من أيّ زمن مضى ...
فقد صرت أرى في كلّ متلبّس بشعارات الحداثة العربيّة المغشوشة مفوّضا في قتلي بالقوّة أو بالفعل ...
ومع الحزن الشّديد ، أعرف أنّهم لن يتردّدوا في النّزول إلى الشّوارع لتفويض أيّ " سيسي " يرفع السّكّين ليذبحني ... 
جريمة رابعة ، ليست حدثا عابرا في تاريخ المأساة العربيّة ...
حدث شقّ الرّوح وشطرها إلى نصفين ، وفتح المجال لاندفاع الوحش المقهور في أبشع ما يمكن أن يجترحه الخيال ،
فوضع المنطقة بين عنوانين لا ثالث لهما : " سلميّتنا أقوى من الرّصاص " أو " داعش "
 بعد رابعة .. كتبت قصائد مثل " التفويض " : لن أصالح " بنت السّماء "
وفي كلّ مرّة كنت أمنّي النفس بأن أشفى ممّا حدث ...
لكن من الواضح أنّ الرّوح تكسّرت إلى غير عودة .. 

ـــــــــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي ــــــــــــــــــ

ليس من طينة الرّجال من لا يعرف قيمة الرّجال :


كتب أحدهم معلّقا على هذه الصّورة الّتي نشرتها وجمعتني بالمناضل عبد الكريم الهاروني ..: 
انت سيدي الكريم رجل فكر وادب وشعر وفن فارجو ان لا تلطخ يديك بدماء السياسة .ولطفا
فرددت :
سيّدي  ... ربما كان عليك أن تقرأ تاريخ هذا الرجل قبل أن تكتب تعليقك الأخير ، هذا من صخور النّضال التي تكسّرت عليها أمواج الديكتاتورية في هذه البلاد ، رجل بآلاف الرّجال ، هو أسد الجامعة التّونسية بلا مبالغة ، يوم كان غيره أغلى أمانيهم أن ينعموا برضاء وليّ النّعم .. ولا أدّعي ، كما يدّعي غيري أنّ الشعر أو الأدب والفن عموما يتعالى على السياسة ، السياسة عندما يمارسها الأحرار والشرفاء تصبح هي أيضا فنّا ورقيّا وسموّا إنسانيّا ... هذا الرّجل حكم عليه سنة 92 بالسجن مدى الحياة ، وقضى منها 16 سنة أغلبها في الانفرادي ، .. وما لان وما وهن ... فكفاكم ادّعاء أيّها المتشاعرون والمتآدبون والمتثاقفون الصّغار ،... يوم تحقّقون 1 من الألف من نضالية هؤلاء ، ومن صمودهم وثباتهم على المبادئ ، عندها فقط ، ردّدوا كليشيهاتكم البذيئة ، وادّعوا أنّ الشّعراء أعلى من السّاسة ..
لست أعرف من غرس في عقول "أشباه  المبدعين " في هذه البلاد أنّهم أعلى من رجال السياسة ( عندما يكونون من طينة الأحرار الشرفاء المناضلين ) 
هل قدّمتم أنتم لهذه البلاد كما قدّم هؤلاء ؟؟
طبعا أرباب المطاحن سيعتبرون أنّ هذا نوع جديد من الطّحين الفاخر ينزل إلى السّوق ، 
لكنّي أكتفي بأن أهمس في آذانهم قردا قردا ( وليس فردا فردا ) : ليس من طينة الرّجال ، من لا يعرف قيمة الرّجال ..

خواطر في تفسير النكبة المصرية


 ثمّة نهج في التفكير يُرادُ للملاحظ أن يذهب فيه ويحلل ويستنتج من خلاله ، لأنه - بقطع النظر عن صحته من عدمها - يحرف البوصلة عن أسباب المشكلة الحقيقة ، وهذه تقنية في التّضليل تدرّس وتثبت جدواها في ظلّ جوقات الإعلام الموجّه والمثقفين المأجورين ...
المشكلة ليست فيما إذا كان الإخوان قد أخطؤوا أم لا ؟؟ ... هذا دخول للموضوع من الباب الخطأ .. طبعا الإخوان أخطؤوا كما يخطئ أيّ تنظيم سياسيّ حاكم أو معارض على حدّ السّواء ( وهو حقّ بشريّ للأفراد والجماعات مادام لم يصل حدّ الخيانة العظمى أو الإضرار الجسيم بمصالح البلد أو الانتهاك الجسيم للحقوق والحرّيات ) وهي أشياء أجزم تماما أنّ الإخوان لم يقعوا فيها ...
غير ذلك يمكن أن نختلف في الأداء السياسي و ترتيب الأولويات ووضوح الرّؤيا وكلّ ما بدا لك ... أنا لو عدّدت أخطاء الإخوان سأكتب فيها صفحات ، وأستطيع أن أزايد في ذلك على كثيرين ... لكن المشكل ليس هنا ...
 هناك مشكلان منهجيّان ومعرفيّان في غاية الخطورة : 
الأوّل أنّه ماكانت لتوجد الدّيموقراطية كنظام اختيار ورقابة ومحاسبة ، لو كنّا نتعامل مع معصومين منزّهين ... العقل البشريّ توصّل إلى فلسفة الديموقراطية لأنها تمكن من محاسبة المخطئين ومعاقبتهم انتخابيّا ، وهذا هو الأسلوب المتحضّر الوحيد في تقييم تجارب الحكم في ظل أنظمة ديموقراطية ...
 المشكل الثّاني أنّ الانطلاق من أخطاء الإخوان كقاعدة تحليل يبدو في ظاهره صحيحا ... لكن من يدرس الحالة المصريّة من أبعاد مختلفة سيكتشف بدون عناء أنّ المؤامرة في مصر بدأت حتّى قبل صعود الإخوان ، حيث كان الجيش يضع سيناريوهات استلام السلطة حتى قبل ثورة 25 ، كان من المفروض أن تبدأ إجراءات توريث نجل مبارك  في ماي 2011، وتوقع الجيش اضطرابات تجتاح البلاد ، ففكر في سيناريو استلام السلطة ، لكن الثورة حدثت ، ففوقع تنفيذ الخطة في سياق مختلف ، ولكن بنفس الأهداف ...
أثناء الثورة قطع الجيش يدي مبارك : إحراق مقرات الداخلية و مراكز الحزب الوطني ( عن طريق بلطجية مأجورين ) ثمّ ضغط على مبارك للتّخلّي للمجلس العسكريّ ، وانتهت المرحلة الأولى من الخطة بنجاح ...
المرحلة الثانية كانت استدراج الإخوان إلى الفخّ السياسيّ بإحكام شديد للتضحية بهم فيما بعد والانقلاب عليهم ( الانقلاب على الإخوان أسهل بكثير من أي طرف آخر ، سيجدون الدّعم الكامل خارجيا من القوى المعروفة : أمريكا وإسرائيل والحليف الخليجي ، ومن القوى الداخلية المعروفة تاريخيا بعدائها المطلق للإخوان ، والاستفادة من كل عناصر المشهد المصري الفاسد : إعلام وقضاء وأمن ودولة عميقة ومجتمع عميق ...
يعني أنّ المنطلق صحيح : الإخوان أخطؤوا ، لكن محاولة تصوير ما حدث كأنه عقاب شعبي للإخوان نتيجة لذلك الخطأ هو التضليل الكامل ... لأنّ الأسباب الحقيقية تقع في منطقة أخرى من تشابك المصالح بشكل معقّد وأخطبوطيّ :
مصالح الجيش كقوة اقتصادية وكيان مستقلّ عن الدولة يستغلّ 40 بالمائة من مقدراتها ولا يخضع لرقابتها  ( هناك كتاب يفسر هذا الأمر بشكل مذهل وهو " جمهورية الضباط في مصر " )، وبذلك يصبح الانتقال إلى الطور المدنيّ انتحارا للمؤسسة العسكرية ، مصالح قوى الفساد الأمنيّ والقضائيّ التي تلبّست بالدولة حتى أنه لم يعد من الممكن الفصل بينهما وصار إسقاط الفساد يؤدّي آليّا إلى إسقاط الدّولة ( من يفهم هذه الحقيقة يفهم منهجيّة النهضة والإخوان في مصر في عدم الانجرار إلى حرب كاملة مباشرة مع الفساد في البلدين ، وتفضيلها لتمشّي الإصلاح التّحتيّ وعلى المدى البعيد )  ، مصالح النموذج الخليجيّ الّذي يهدّده منطق الربيع العربيّ وخاصة تصدر الإخوان للمشهد لكلّ ما نعرف  من الأسباب ، ومصالح الوكيل الأول للامبريالية العالمية ، إسرائيل ... لأنها كانت تخشى قيام تحالف تركي - مصري - قطري - وربما حتى ايراني يخنقها تماما ويعجل بفنائها ...
عندما نفكر يجب أن نضع كل هذه المعطيات المركبة المعقّدة المكونة للمشهد الجيوسياسي في المنطقة ونربط المسالك بعدها ... أمّا الوقوف عند أخطاء الإخوان ، فهو حقّ يراد به باطل ... لأنه كما أسلفت يحرف النظر تماما عن جوهر التناقض الواقع اليوم في بلدان الربيع العربيّ ، و يخدّر العقول بوصفات سهلة مضللة يسهل ترويجها للتعمية والتضليل ...
ـــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي ــــــــــــــــــــــ

ثورة عبر الصناديق ... / عبد اللطيف علوي

على عكس البعض ، أحسّ بحالة من التّفاؤل الشّديد والثّقة بأنّ الانتخابات القادمة ستكون موجة ثوريّة جديدة فارقة في مسارنا نحو الحلم الدّيموقراطيّ ... لست متفائلا على الأرجح ، بل هو تقدير لواقع جديد لا أرى فيه قوى الارتداد إلاّ في أسوإ حالاتها ، معسكرهم يضيق يوما بعد يوم ، والماء يتسرّب إلى سفينتهم ، فيبادر الكلّ إلى الطّوق وحيدا علّه يبلغ ما يريد ... المال التّجمّعي صار يحارب بعضه بعضا ، تناقضات المكوّن اللقيط تنفجر وتطفو على السّطح بينهم بمجرّد الوصول إلى لحظة التفكير في اقتسام الغنائم ( وهي مازالت افتراضيّة ..) تحالفات الانقلابيين تتفتّت أفقيّا وعموديّا ، وهي لا يمكن أن تعود إلى نقطة انطلاقها أبدا ، أوّلا بسبب تضارب مصالحها في المرحلة القادمة ، وثانيا لأنّ الوضع الّذي كانت تقتات منه قد انتهى ( غياب المؤسسات والدستور والوضع الانتقالي الهش و طبيعة السلطة المؤقتة .. ) مع رجوع طرديّ لأمل الرّبيع العربيّ انطلاقا من غزّة ( وحتّى من مصر بحكم استمرار المأزق الانقلابي في إعدام الثورة وفي تحسين شروط المعيش المصريّ ) مع بوادر صحوة ثورية في ليبيا تحسم الأمور مع انتخاب أردوغان وتثبيت النموذج التركي 
من جهة ثانية لدينا قاعدة تزداد اتساعا من القوى التي ترى في الثورة مصلحة وطنية  ، صرنا نتكلم عن إمكانية تحالف واسع بعد الانتخابات بين النهضة والمؤتمر ووفاء والتحالف والتيار وبعض من التكتل وحتى الجمهوري الّذي جرّب الجحر التّجمّعي فلم يجد فيه شهدا ولا عسلا ...
أكثر من ذلك ، المرزوقي في وضع جيّد جدّا في سباق الرّئاسة ، فإضافة إلى شعبيّته المتصاعدة في أوساطه التقليدية ، هناك توجّه ساحق من كلّ قواعد النهضة إلى انتخابه ، وهذا يرجّح الكفّة دون شكّ ...
لقد نجحنا في تونس في أن نجرّ قوى الاستبداد إلى المعركة الّتي لا تنتصر فيها أبدا ، معركة الإرادة الشعبية عبر الصّناديق ، وأيّ كلام هنا عن المال السياسي هو كلام مبالغ فيه ، لأنهم جربوه في المرة السابقة ، ولم يثمر ... التونسي يبيع القرد ويضحك على من يشتريه ... عندما يدخل إلى الخلوة ، لن يتذكّر حلوى العيد ..
ملخّص الحال أنّنا لسنا في موقع ضعف أبدا ... على العكس من ذلك تماما ، لقد ربحت قوى الثورة الكثير من المعارك المصيريّة ، وتجاوزت بحارا وأهوالا ... كلّ محاولات الإرباك التي يقومون بها تدلّ على أنّهم يخسرون المعركة ، 
يوم 26 أكتوبر سيكون موجة ثوريّة جديدة ، تكنس تجّار الدّم و أزلام النظام المقبور ، ثورة عبر الصناديق ...
لا يوجد من يتكهّن بالمستقبل ... إلاّ الّذين يصنعونه 
ونحن قادرون ، لسنا ضعفاء أبدا ، ولن نكون ضحايا أبدا بعد كلّ الّذي كان ...
ـــــــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي ــــــــــــــ

تحييد الشّعر عن السياسة / عبد اللّطيف علوي


أشفق على بعض النّاس لشدّة ما يكابدونه - مخلصين - من مشقّة النّصح بأن أتجنّب الخوض في السّياسة ، كما يتجنّب العاقل مرض الجذام ، وأن ، أخصّص وقتي الثّمين كلّه للتّأمّل والهيام مع النّسيم والذّهول مع النّجوم والتّحليق في سماء الجمال مع الطّيور والفراشات كي أبدع شعرا جميلا عليلا محايدا ( تكنوقراط يعني ) ... 
- هؤلاء المتطوّعون لنصحي حجّتهم قويّة دامغة بأنّ الشّعر أرقى من السياسة ، والشاعر أو المبدع عموما ( وربّما حتّى المثقف بشكل أعمّ ) يجب أن يتعالى عن السياسة باعتبارها نجاسة ، ويجب أن يعيش في حالة عذريّة مع أحلامه وأوهامه دون أن يفسدها بمنطق إدارة الحياة العامة اللّعينة ... ويحتجّون كذلك بهذا القول لسارتر وذاك القول لميكيافيلّي وخاصّة ( وهذا الجديد ) حكمة القذّافي المأثورة " من تحزّب خان " وهلمّ جرّا ... 
- أيّها الّذين لا أعرف لهم وصفا يليق بضلالتهم ... 
لقد عرفت السياسة قبل حتّى أن أعرف الشّعر ، السياسة عندي انجراف في حالة الوعي بالقهر والظّلم وأوجاع النّاس و هوانهم على الحكّام ... هذا الوعي الّذي تفتّح باكرا هو الّذي ورّطني أكثر في الشّعر وليس العكس 
- إنّ القول بتحييد الشعر ، أو الفنّ عموما ، عن السياسة ( هذه غفل عنها الحوار الوطنيّ ) هذا القول يعبّر عن حالة غربة وانفصام مزمنة لدى كثير من مثقّفي الصّالونات عن مشاغل الناس وهمومهم ، أولئك الّذين يعتبرون الفنّ حالة عبث ذهنيّ أو نفسيّ وترف بورجوازيّ ونرجسيّة عمياء ، ويعبّر أكثر عن ضعف وعجز ولامبالاة برسالة المثقّف في مجتمعه ، فينبرون إلى هذه الأساليب من التّنطّع اللّغويّ ليوهموا النّاس أنّ الفنّ يكون أرقى وأسمى وأجمل حين يتعالى على معترك السياسة ، وهذا عين الغبن ، لأنّ السياسة - بالمفهوم الشّامل ليس الحزبيّ - تعني الاهتمام بالشّأن العام والمساهمة في إدارة الحياة الجمعيّة ... وهذا شرف لا يدركه إلاّ من لم تتلطّخ نظّارته بأوحال مستنقعات الذّاتيّة المرضيّة 
- إنّه حتّى التّحزّب ، لا يمكن أن يسلب من الإنسان حياده الفكريّ والقيميّ والأخلاقيّ ، إلاّ بقدر استعداده هو للتفريط في تلك الاستقلالية ، ومن الطّبيعيّ أن يتحزّب الشاعر أيضا إن أراد ، باعتباره هو أيضا كائنا سياسيا يعنيه الشأن العام ، ولا يعيش في فراغ نظريّ وموضوعيّ ، العبرة بالرسالة التي سيؤدّيها الفنان من خلال انضمامه لهذا الحزب أو ذاك ، والمحدّد الرّئيسيّ هو شخصية هذا المبدع ، فهو إذا كان ذا شخصية ممتلئة ومؤثرة ، سيؤثر في العمل الحزبيّ أكثر ممّا يتأثّر به ، و يصبح ضمانة إضافيّة لأن لا ينحرف هذا العمل إلى مجرد المصلحة الحزبية المجرّدة ( كي لا أقول الضّيقة التي تستعمل دائما بعد كلمة الحزبية .. من قال إنها ضيقة ؟؟؟) 
- وأخيرا .. هذه الدّعوة فيها احتقار لمكانة الشاعر ودوره في المجتمع ، وفيها غمز ضمنيّ بأنه كائن انفعاليّ لا يصلح للمشاركة في الحياة الواقعيّة ، وفيها تخلّف شنيع وقصور عن فهم دور المثقف كسلطة ... 
وأذكّر هؤلاء فقط بموقف ايميل زولا ، و قضية درايفيس ، ومقولة " أتّهم .." 
شكر الله سعيكم ...
ــــــــــ عبد اللّطيف علوي ـــــــــــــــــــــــ