lundi 28 juillet 2014

غزة تتحرّر ... من العرب


منذ اندلاع الصراع العربيّ الإسرائيليّ حول الموضوع الفلسطينيّ ، بقيت حدود المسؤولية والأهلية في اتّخاذ قرارات السلم والحرب ، وما يترتّب عنها من نتائج سياسية أو ميدانية ، محلّ تداخل وتوظيف متبادل بين الحكومات العربية وفلسطين ، ممثلة تارة في منظمة التّحرير وتارة أخرى في سلطة أوسلو وطورا في فصائل المقاومة الشّاذّة عن هذا الطوق أو ذاك ... ومن المفيد التّأكيد هنا على أنّ المقصود بعبارة الصراع العربيّ هو صراع الحكّام العرب باعتبار أنّهم تاريخيّا ، لم يكونوا على نفس اتّجاه البوصلة مع الشّعوب ، لا في أهداف المعركة ولا في أدواتها ولا في ينبغيّاتها الوطنية والقومية بما تتطلّبه من تعبئة شاملة ووحدة حقيقية ..
العلاقة بين الطّرفين ( العربي والفلسطيني ) ، اللذين كان من المفروض أن يكونا طرفا واحدا ، ظلّت لما يزيد عن سبعين عاما قائمة على منطق العبئيّة التّاريخيّة ، وليس على منطق الشراكة في المصير ، فالعرب الرّسميون ، تعاملوا دائما مع القضية الفلسطينية كعبء تاريخيّ ، وبحسابات دقيقة يجب أن توازن دائما بين ضرورات تسويق الموقف وضمان الموقع . ثنائية الموقف والموقع حكمت هذه العلاقة في أوقا ت الحرب والسلم لعقود طويلة .. فقد كانت الحروب التي خاضها العرب كلّها ، بدءا من 48  ووصولا إلى 2006 مرورا ب56 و 67 و73 و82 ، كانت حروبا محدودة الأهداف سياسيّا ، ولم تكن حروب تحرير أو تثبيت وجود ، ولذلك جاءت كلها سريعة ومحكومة بأهداف محدودة مجاليّا وسياسيّا .
حرب 48 كانت إجراما تاريخيا في حقّ القضية الفلسطينية ، لأنها أعطتها منذ البداية صفة الحرب الإقليمية بدون أن تتحقق لها تلك الشروط ، هذه الحرب التي اندلعت بعد صدور قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية وإسرائيلية وفى بداية الحرب عانى الفلسطينيون من هزال الدعم العربي بالسلاح والعتاد لدرجة مأساوية وحتى دخول الجيوش العربية إلى ارض فلسطين تمكن الفلسطينيون من الحفاظ على نحو 82%من الأرض رغم النقص الشديد في كل شيء  قياسا باليهود وقد مثل دخول الجيوش العربية السبعة قصة مأساة أخرى فلم يزد عدد مقاتليها مجتمعه على 24 ألف مقابل أكثر من 70 ألف يهودي وعانت من ضعف التنسيق فيما بينها وجهلها بالأرض ومن أسلحتها القديمة و الفاسدة كما عانى بعضهم من سوء قياداته فضلا على ان احد هذه الجيوش كان بين ضباطه الخمسين الكبار 45 بريطانيا . وكان من نتائج هذه الحرب الخاسرة ان أعلن اليهود دولة إسرائيل فى مساء 14 ماي 1948 وتكمنوا من هزم الجيوش العربية  والاستيلاء على نحو 78%من ارض فلسطين وقام اليهود الصهاينة بتشريد أكثر من ثلثي الشعب الفلسطبنى ودمروا (478) قرية من أصل 585 قرية كانت قائمه قبل الحرب وارتكبوا 34 مجزرة خلال الحرب و أثناء عملية التهجير . لقد مزقت هذه الحرب النسيج الاجتماعي والاقتصادي للشعب الفلسطيني فوجد نفسه مشردا في العراء ، نتيجة للحسابات العربيّة الخاسرة .
بقية الحروب كان العرب يخوضونها بحسابات الربح والخسارة داخليا ، فكانت هزيمة 67 ونتائجها الكارثية ، وكان فيلم 73 الّذي خرج منه العرب بنصر وهميّ إعلاميّ ، استغلّه العسكر لمزيد الرّكوب على الشّعوب ، وصدّق العرب أكذوبة الانتصار في حين أنها كانت نكبة أخرى أنتجت كامب ديفيد ، فأخرجت مصر نهائيا من المعادلة ، وتفرّغت إسرائيل بداية من الثمانينات لتحطيم العراق ، وتصفية القضية الفلسطينية في آن واحد فانتهت إلى أوسلو ...
لأول مرة يسقط الفلسطينيون عن كاهلهم عبء ( الدعم العربي) والوصاية على المصير ولذلك نراهم اليوم ينتصرون ...
لم يعد يعنيهم حسابات الدول العربية في علاقاتها بالدول الكبرى ، وما عاد يكبلهم احتمال قصف القاهرة أو عمان أو دمشق ، أو احتلال هذه العاصمة العربية أو تلك ، ولا الحسابات الحزبية لهذا المتنطع العربيّ أو ذلك المقامر أو ذلك المغامر ...
فلسطينيو غزة تحرّروا تماما من سكين العرب المسلط دائما على رقابهم أكثر من إسرائيل ... الحصار حرّرهم تماما ، والتواطؤ و التّجاهل والتّآمر صار نقطة قوة في صالحهم ، لأنه أقنعهم نهائيّا بأن المعركة لا تخاض إلاّ على الأرض الفلسطينية ، وبوسائل فلسطينية ، وبأهداف فلسطينية .
من هنا جاءت غزة .. !

 ــــــــــــــــــــ عبد اللطيف علوي ـــــــــــــــــ

samedi 26 juillet 2014

زياد الهانة ... والثّور .. / عبد اللطيف علوي

زياد الهانة ... و الباقي تكمّلوه  .. / عبد اللطيف علوي
***********************
حكاية الضّفدعة والثّور .. تعرفوها ... تلك التي أرادت أن تتضخّم ، فكان انفجارها .. 
كذلك زياد ( هانا باش نرجعوا من جديد إلى عصور زياد ويزيد وزيادة ..) سي زياد أيضا تكاد تسمع .... ــــه لا ينقطع وهو ينتفخ ويتضخّم ويتشحّم أمام مرآته النرجسية ... ويسألها : مرآتي .. يامرآتي ... من أجدر منّي بالرئاسات ؟؟؟
فتقول له : ... أنت أو لا أحد ..
طبعا أن يترشح فذاك شأنه السيادي الذي لا يملك أحد أن يسلبه إياه ( وإن كنت أتمنى أن توجد صيغة ما لكي لا تصبح الرّئاسة مثل أراجيح دحدح ، يركض إليها اللي يسوى واللي ما يسواش )
لكن أن يخرج علينا السوبرزياد ، و يتكشّف ويتنطّع كالجحش الرّبعي أمام الكاميراوات ( الصّديقة بحكم وحدة الدم والهم والمصير ) ويقول الزعيم الهمام : 
لو كنت مكان المرزوقي لحملت سلاحي وصعدت إلى الشعانبي ..
وفي رواية أخرى :
أنا جندي احتياط ومستعد للصعود إلى الشعانبي ..... 
أبببببببْ هاو التسرديك السياسي الانتخابي ... هاو الرّدك الصحيح ...
اللي ما تعرفهوش يا سي المربّع ( خليني ناخذ بايي فيك توة قبل ما تولي سيدي الرئيس .. السوبرزياد على البلاد والعباد ) 
اللي ما تعرفهوش أنه الرئيس إذا فعل ما تقوله فهو بهيم و مضبّع وخائن يجب محاكمته بتهمة الخيانة العظمى .. قلّي علاش يا سي عنتر ؟ نجاوبك ..
لأنّ مهمة الرئيس ماهيش التفوريخ والتنقيز و تحقيق النزوات متاعو حتى ولو كانت صادقة ، على حساب وظيفته الكبرى ، وإلاّ كمّل قوللنا أنّه يولّي زبّال مع الزّبّالة ، و إطفائيّ كي تصير حريقة ، وحوّات و عزّام إذا لزم ... 
 مهمته أن لا يبرح مكانه في قيادة السفينة و أن يحمي المصير المشترك والوحدة الوطنية ... مهمته أن يكون الجندي الأول ، ولكن ليس بمفهوم التبلعيط متاع القصّر اللي كيفك ... هو فعلا يصعد مع كل جندي إلى الشعانبي ، ولكن من خلال القرارات الوطنية وتحقيق شروط بقاء الدولة و القيام بالوظائف الكبرى التي لا معنى لتضحيات ذلك الجندي بدونها ... 
إذا كان تحب تعبرلنا عن شجاعتك في مواجهة الموت في الشعانبي ، فالشجاعة أحيانا أن لا تموت ، الموت في حدّ ذاته ليس إنجازا ... في النهاية الجميع يموتون ، لكن قليل منهم من يبقون على قيد الحياة 
الرئيس الذي نريد يا سي الهانة هو الرئيس الحيّ ، وليس الرئيس الذي يترك دفّة السفينة والمهمة الكلية ليتنطع في دور البطل الدونكيشوتي ، أم أنك ميتومان ، مسكون بدونكيشوت ...
لكن على كل حال أنا أعرف أنك لا تعني حقيقة ما تقول ، ولا تفكر فيه أصلا ، وليست لديك واحد في المليون من شجاعة المرزوقي لتزايد عليه في هذا الشّأن ( ولو كانت فيك لعلمناها أيام كانت الرجولية تباع في السوق السوداء ، موش كيما توة : الرجولية ولاّت تتباع بالكدس في سوق ليبيا ) لكن مع ذلك ... باش الهوكش السياسي ما يبداش يغنيلنا في أغاني جديدة متاع ناس مشكلتهم الأصلية هي كثرة السموم الغازية والتلبك المعويّ و انتفاخ المصران الغليظ و كلّ الزوائد الأخرى اللّي تؤدّي في النهاية إلى حالة ........ كيما اللي عندك ...
ــــــــــــــ
خلينا من الفذلكة توة ونحكو بجدّ شويّة ... بيناتنا ... موش ملاحظين اللي الرئاسة مواتياتو على قوة جهدها ... موش ملاحظين السّرّ اللي هبط عليه ملّي قرّر يترشّح للرئاسة !!!!!
ــــــــــــــــــــــــــ عبد اللطيف علوي ــــــــــــــ

حالة سيادة / عبد اللّطيف علوي


من معاني عيد الجمهورية : السيادة 
حين تكلم المرزوقي بتلك اللهجة الخارجة عن فيتو الأعراف الديبلوماسية ( الحكيمة ) ، وعبر عن ألمه ممّا يحدث في غزّة ، لم يفعل ذلك فقط كعربيّ مسلم لا يستقيم انتماؤه لأمّته ودينه إلاّ بتضامنه الكامل مع إخوته ، وليس فقط كحقوقيّ لا تتحقّق إنسانيته إلاّ بنصرة الحقّ والعدل حيثما ساد الظّلم والطّغيان ، بل كصاحب قضيّة وشريك مباشر في المصير ... فمن السّخف و قصر النّظر أن نصوّر نصرتنا للقضية الفلسطينية كما لو كان تضامنا إنسانيّا في قضيّة تعني الآخرين ... نحن كعرب جميعنا معنيّون تماما كأمّة وكدول ، استراتيجيّا وعسكريا بمسارات هذا الصراع التاريخي ونتائجه ، لأنّ كل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة صارت منذ 70 عاما محكومة بتطورات هذا الصراع ومآلاته .. نحن لا ننصر أحدا ، بل ننتصر لأنفسنا ، هذا هو الإطار الصحيح للحراك الشعبيّ العربيّ الغاضب ضدّ ما يحدث في غزّة ، هذا ما يجب أن نعلّمه لأبنائنا : إنّ مصيركم كأشخاص وكدول مرتبط بأثر الفراشة ، هناك في أرض الرّباط ... 
عندما تكلم المرزوقي كمُنْتَمٍ أصيل لهذا الشّأن ، لا شكّ أنّه كان يدرك تماما أنّه بذلك قد أخرج نفسه كلّيّة من قطيع الحكّام العرب المطابقين للمواصفات السّايسبيكويّة ، و لا أظنّ أنّ مصير مرسي كان غائبا عنه ، فنحن في زمن - شئنا أم أبينا - ما زالت أمريكا تحتفظ فيه بخطّ تصنيع الحكّام في العالم الثّالث وفق مواصفات قلّما يشذّ عنها هذا أو ذاك ، وهو في حالة الشّذوذ يصنّف كَمُصنّع مَعِيب لا بدّ من سحبه من السّوق فورا ...
لكنّ أمثال المرزوقي يؤمنون بالفروسيّة وإن سقط الفرسان ، وبالصّمود و بالبطولة وإن سقط الأبطال .. ومن قال إنّه لا يجب دفع الأثمان الباهضة مقابل القيم الكبرى ؟
الخروج يوم 25 جويلية بالذات بدعوة من أعلى رمز في الدّولة ، للتّعبير عن موقف قوميّ مبدئيّ و مناكف لكبار الوصاية الدّوليّة ، كان يعني ببساطة حالة سيادة ، سيادة السّلطة في مواقفها وسيادة الشّعب في مجاله العامّ ... وهذا أساسيّ ..
الأهمّ فيما رأيناه في الشارع الكبير ، ليس صراخ الكبار وبكاءهم من التّأثّر الصّادق ، وليس الموقف السياسي والشعبي الذي تمّ تبليغه من خلال كلّ ذلك ( على أهمّية كلّ ذلك ) وإنّما كان شيئا آخر جديدا وعظيما تماما : إنّه مشهد أولئك الصبية والبنات الصّغار على أكتاف آبائهم وأمّهاتهم وهم يهتفون بحناجرهم العذراء بحياة فلسطين وصمود غزّة وسقوط رأس الأفعى الصهيونية و حاويات القمامة العربية المسمّاة مجازا حكومات و جيوشا ومنتجعات .. هذا هو الأهمّ في كلّ ذلك ..
حين يتربّى أبناؤنا على الإحساس بامتلاك المجال العامّ ، وعلى الإحساس بالانتماء إلى الحشود المؤلّفة المشتركة في القيم والاحتياجات والحركة ، حين يتعلّم أبناؤنا التّخلّص من الفردانيّة la désindividualisation في المهامّ الوطنية الكبرى ، وحين يتربّون على أنّ القضية الفلسطينيّة هي قضيتهم الشّخصية ، ويجب أن يصرخوا بمواقفهم عاليا في أوج السّماء ، وليست قطعة حشيش يتبادلونها سرّا من جيب إلى جيب ... سيكون لدينا غدا إن شاء الله جيل متحرّر وقادر على التّحرير ..
لقد كانت حالة سيادة .. حالة نحلم ونطمح ونسعى إلى أن نجعلها سمة دائمة في أوطاننا لا مجرّد لحظات حلم عابرة في الزّمن العربيّ البائس ... 

ــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي ــــــــــــــــ

mercredi 23 juillet 2014

كلّنا جنود لإسرائيل| عبد اللطيف العلوي


منذ أيّام ، وإسرائيل تعجن اللحم العربيّ تحت أنقاض المباني ، والإحساس بالذلّ والقهر يتصاعد مرّا في الحلق ، والروح أبرد ما يكون …
ليس استثناء ما يحدث ، فقد عودتنا إسرائيل على أن تصبّ جحيمها دوريّا على إخوة لنا .. هنا أو هناك .. لكنّ الجديد هذه المرّة ، أمرّ بكثير من كلّ جرائم اليهود على مدار التّاريخ ..
قبل ثلاث سنوات … كان للحالة الشعبية العامة إزاء مثل هذا العدوان حرارة مختلفة ونقمة مختلفة ، نوجّهها دائما نحو هدف معلوم بنفسه هو إسرائيل ، وإن كنّا نعرف في قرارة أنفسنا ، أنّ إسرائيل ما كانت لتوغل في دمائنا لولا التواطؤ العربيّ الرسميّ المباشر وغير المباشر ، وكلّ مفردات ذلك الخطاب الّذي لطالما كان بداهة مسلّمة بين كل ألوان الطّيف ، ولم نكن نحتاج أن نقنع أنفسنا بذلك ..
اليوم ، تأتي هذه الجريمة الجديدة وقد انكسر فينا شيء ، لن يستقيم قبل عقود كثيرة …
بعد الربيع العربيّ ، أكبر إنجاز قدّمه حكّام العرب – ومعهم كلّ من اصطفّوا معهم في سحق شعوبهم وإبادتها وإذلالها – هو نزع صفة البشاعة والإجرام والفظاعة عمّا تقوم به إسرائيل ، أمام العالم ، وأمام العرب أنفسهم … كيف تقنع العالم بأن إسرائيل ترتكب الجرائم ، وهي – إذا قارنّاها ببشار فيما يفعله بشعبه – ليست سوى طفل لاهٍ غرير بريء طاهر ؟ كيف تقارن من يقتل 40 أو حتى 100 في بضعة أيام ممن يعتبرهم أعداءه الاستراتيجيين ، بمن يقتل 1400 طفل وامرأة وشيخ بالكيمياويّ في بضع ساعات ويمحق ما يقارب النصف مليون ويشرد ثلث سكان البلد و يعذب ويغتصب في تراجيديا جهنمية لا حدود لوصفها ، ثمّ يأتي بعد ذلك من مثقفي العرب والممانعين والقوميين من يرفع صوته وإبهامه للدفاع عنه ، بل لإسباغ كل صفات البطولة عليه ؟؟
كيف تقنع العالم بأنّ إسرائيل ترتكب إبادة في حقّ شعب – غير شعبها – وهو يرى السيسي يحرق ويردم بالجرافات في بضع ساعات الآلاف من أبناء شعبه ، في الساحات العامة و عبر البث المباشر للإعلام المهلل والمبشر .. والمثقفون .. الآلاف من المثقفين ، حتى الذين كانوا منهم بالأمس أسودا يرفعون على الأعناق في ملاحم النضال الاجتماعي أو السياسي … تراهم يسيلون الحبر المسموم في عروقنا ليبرروا وينظروا ويشرّعوا المزيد من الإبادة لطرف لعنوه واستحلّوا دمه وعرضه وماله ..؟؟ كيف بعد ذلك نستطيع النظر إلى ما تقوم به إسرائيل ؟؟
كيف نعتبر ما تقوم به إسرائيل جريمة في حقّ غزة ؟ ونحن هيّأنا لها الفريسة وطاردناها وحاصرناها وجوّعناها ونزعنا عنها حتى شرعية المقاومة ووصفناها بالإرهاب والتكفير وحتى العنصرية…
حتّى نحن الشعوب ، جريمتنا لا تقلّ عن جرائم حكامنا ، لأننا لا نتذكر غزة الا على إيقاع النار والدم والخراب ، ثمّ سرعان ما نعود إلى غيبوبتنا اللذيذة ، وننسى أنّ أولئك المحاصرين مازالوا بشرا يعانون ولم يتحولوا إلى مجرد تماثيل أو لوحات تذكارية في متاحف العذاب البشريّ …
لتسقط كلّ الدموع الخائنة ، لتسقط كلّ القصائد والأغاني الباكية ، لتسقط كلّ الشعارات الكريهة الباردة ، ليسقط كلّ شيء ، مادامت إسرائيل ليست سوى .. نحن ..

فلسطين ... ليست أمّ المعارك


لسنوات طويلة أقنعنا الخطاب الدعائيّ العربيّ ، بأنّ أمّ معاركنا نحن العرب هي حصريّا مع رأس الحربة الاستعماريّة في الخاصرة العربيّة : إسرائيل ...
 الخطاب الرّسميّ كذلك كان من مصلحته أن يحرص دائما - ولو عبر الوكلاء المنتدبين - إلى تسويق هذا الخطاب ، لأنّ في ذلك حرفًا لبوصلة الشّعوب عن المعركة الأولى اللاّزمة شَرْطيًّا للمعركة الثانية ، وهي حرب الوجود الداخلية ضد الصهيوني الطبقيّ والصهيوني السياسي والصهيوني الايديولوجي والصهيوني المالي والصهيوني الإعلامي ... إلخ 
 وبذلك استطاع الخطاب الدّعائيّ السياسي - الإعلاميّ - الثقافي العربي أن يُغيب معركة الشعوب لتقرير مصيرها داخليا ، وفي نفس الوقت أن يفرغ المعركة الثانية من شروط تحقيقها لأيّ اختراق تاريخي حقيقي منذ عشرات السنين .
نتذكر كيف أطلق صدام حسين سنة 1991 على حرب الخليج الأولى - من جهته - تسمية أم المعارك ، و كان يعول من خلال ذلك ( أي من خلال تصوير الحرب على أنها معركة لتحرير فلسطين ) على أن يحشد أقصى ما يمكن من التعبئة الشعبية الداخلية والعربية والإسلامية ، 
غير أن أي يقظ أو منتبه ولو نصف انتباه ، كان يعرف أنه مرة أخرى يستعمل اسم فلسطين كشعار مضلل للابتزاز الدعائي و للتعمية عن غبار معركة أخرى ، في خلفية المشهد ليس الإنسان العربي سوى العنصر الممتهن فيها وبكل الأشكال ..
ورأينا كيف انتهت ( أم المعارك ) الصّدّامية ، بسقوط مدوّ تدريجيّ استمرّ لعشر سنوات اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ، وانتهى بانهيار كامل لمنظومة المقاومة على الطريقة الرسمية في العراق ،
 والحقيقة أنه لا أحد ممّن يدّعي الإدراك وسلامة التوقع كان ينتظر غير ذلك .. فقد أثبتت كل الحروب العربية مع إسرائيل ، أو التي رفع فيها شعار الحرب من أجل فلسطين ، أثبتت أنه من العبث والعمى السياسيّ أن نتصور أنه بإمكاننا مواجهة أي عدو خارجي - إسرائيل أو غيره - بإنسان عربيّ مهزوم من الداخل ومذلول و مفقّر ومخصيّ سياسيّا و مواطنيا ولم تتحقق له أدنى شروط الانتماء الوطنيّ فضلا عن القوميّ ...
الربيع العربيّ أحدث الانقلاب الاستراتيجيّ المرعب بالنسبة للصهيونية و خلفيات المشهد بكل تحالفاته الاستعمارية والرجعية العربية والمافيويات العائلية الأوليقارشية المتحكمة في أقدار الإنسان العربيّ ومقدراته ... ومن هنا جاء القرار الدولي بتصفية الربيع العربيّ ، وبأقصى ما يلزم من الدموية والعنف لبناء ذلك الحاجز النفسيّ التاريخيّ الذي سيحول - مجددا - دون أيّة محاولة جديدة لإعادة النفخ في نار بوعزيزي جديد - حتى وإن كان جمعيا في صيغة الآلاف - ..
 أيها العربي المقهور ... ابدأ معركتك الكبرى من أول متر مربع تقف عليه ، و لا تركن مجددا إلى خطاب التعمية مهما بدا مريحا وسهلا وجذابا ... معركة غزّة ما كانت لتستوفي شروطها التي نراها اليوم لولم تخض المقاومة معركتها الأولى ضد فصائل الدحلانيات والعباسيات والقريعيات في القطاع ... وكذلك أم المعارك بالنسبة لباقي الشعوب العربية ، يجب أن تكون مع خط برليف الثاني الذي ثبته الصهاينة داخل كل بلد عربيّ ، خط الاستبداد و الفساد و التضليل الاستراتيجيّ الدائم .
ـــــــــــــ عبد اللطيف علوي ــــــــــــــــ