samedi 26 juillet 2014

حالة سيادة / عبد اللّطيف علوي


من معاني عيد الجمهورية : السيادة 
حين تكلم المرزوقي بتلك اللهجة الخارجة عن فيتو الأعراف الديبلوماسية ( الحكيمة ) ، وعبر عن ألمه ممّا يحدث في غزّة ، لم يفعل ذلك فقط كعربيّ مسلم لا يستقيم انتماؤه لأمّته ودينه إلاّ بتضامنه الكامل مع إخوته ، وليس فقط كحقوقيّ لا تتحقّق إنسانيته إلاّ بنصرة الحقّ والعدل حيثما ساد الظّلم والطّغيان ، بل كصاحب قضيّة وشريك مباشر في المصير ... فمن السّخف و قصر النّظر أن نصوّر نصرتنا للقضية الفلسطينية كما لو كان تضامنا إنسانيّا في قضيّة تعني الآخرين ... نحن كعرب جميعنا معنيّون تماما كأمّة وكدول ، استراتيجيّا وعسكريا بمسارات هذا الصراع التاريخي ونتائجه ، لأنّ كل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة صارت منذ 70 عاما محكومة بتطورات هذا الصراع ومآلاته .. نحن لا ننصر أحدا ، بل ننتصر لأنفسنا ، هذا هو الإطار الصحيح للحراك الشعبيّ العربيّ الغاضب ضدّ ما يحدث في غزّة ، هذا ما يجب أن نعلّمه لأبنائنا : إنّ مصيركم كأشخاص وكدول مرتبط بأثر الفراشة ، هناك في أرض الرّباط ... 
عندما تكلم المرزوقي كمُنْتَمٍ أصيل لهذا الشّأن ، لا شكّ أنّه كان يدرك تماما أنّه بذلك قد أخرج نفسه كلّيّة من قطيع الحكّام العرب المطابقين للمواصفات السّايسبيكويّة ، و لا أظنّ أنّ مصير مرسي كان غائبا عنه ، فنحن في زمن - شئنا أم أبينا - ما زالت أمريكا تحتفظ فيه بخطّ تصنيع الحكّام في العالم الثّالث وفق مواصفات قلّما يشذّ عنها هذا أو ذاك ، وهو في حالة الشّذوذ يصنّف كَمُصنّع مَعِيب لا بدّ من سحبه من السّوق فورا ...
لكنّ أمثال المرزوقي يؤمنون بالفروسيّة وإن سقط الفرسان ، وبالصّمود و بالبطولة وإن سقط الأبطال .. ومن قال إنّه لا يجب دفع الأثمان الباهضة مقابل القيم الكبرى ؟
الخروج يوم 25 جويلية بالذات بدعوة من أعلى رمز في الدّولة ، للتّعبير عن موقف قوميّ مبدئيّ و مناكف لكبار الوصاية الدّوليّة ، كان يعني ببساطة حالة سيادة ، سيادة السّلطة في مواقفها وسيادة الشّعب في مجاله العامّ ... وهذا أساسيّ ..
الأهمّ فيما رأيناه في الشارع الكبير ، ليس صراخ الكبار وبكاءهم من التّأثّر الصّادق ، وليس الموقف السياسي والشعبي الذي تمّ تبليغه من خلال كلّ ذلك ( على أهمّية كلّ ذلك ) وإنّما كان شيئا آخر جديدا وعظيما تماما : إنّه مشهد أولئك الصبية والبنات الصّغار على أكتاف آبائهم وأمّهاتهم وهم يهتفون بحناجرهم العذراء بحياة فلسطين وصمود غزّة وسقوط رأس الأفعى الصهيونية و حاويات القمامة العربية المسمّاة مجازا حكومات و جيوشا ومنتجعات .. هذا هو الأهمّ في كلّ ذلك ..
حين يتربّى أبناؤنا على الإحساس بامتلاك المجال العامّ ، وعلى الإحساس بالانتماء إلى الحشود المؤلّفة المشتركة في القيم والاحتياجات والحركة ، حين يتعلّم أبناؤنا التّخلّص من الفردانيّة la désindividualisation في المهامّ الوطنية الكبرى ، وحين يتربّون على أنّ القضية الفلسطينيّة هي قضيتهم الشّخصية ، ويجب أن يصرخوا بمواقفهم عاليا في أوج السّماء ، وليست قطعة حشيش يتبادلونها سرّا من جيب إلى جيب ... سيكون لدينا غدا إن شاء الله جيل متحرّر وقادر على التّحرير ..
لقد كانت حالة سيادة .. حالة نحلم ونطمح ونسعى إلى أن نجعلها سمة دائمة في أوطاننا لا مجرّد لحظات حلم عابرة في الزّمن العربيّ البائس ... 

ــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي ــــــــــــــــ

Aucun commentaire: