mardi 17 septembre 2013

رخَصْتِ يا دُنيا الغالي ..

رخَصْتِ يا دُنيا الغالي ... وغلّيتِي اللِّي ما يِسْوَاشِي ..

*********************************

هذه الجملة من رائعة محرّم فؤاد : كلُّو ماشي ماشي ... يا دنيا خلاص ما بقاشي ..
هذه الأغنية الحبيبة إلى قلبي بشجنها وصدقها ، سكنتني منذ سنوات الطّفولة الأولى ، وقد تهتُ عنها وكدتُ أنساها في زحام الأيّام ، فلم أسمعها منذ سنين ..
اليوم – بمناسبة الإضراب العامّ لفرسان الإعلام البنفسجيّ – كان يوما ممتعا بما استمعت إليه ، وأنا في السّيّارة حيث أجد الفرصة الوحيدة للاستماع إلى الإذاعة – قلت إنّه كان يوما ممتعا هادئًا خفيفا على القلب والرّوح والعقل ... يااااه ... لم أكن  أعرف  بأنّ الإذاعة يمكن أن تكون فاعلةً وحنونة  على أعصابنا بين فترات الشّغل وتحت الضّغط المتواصل .. اليوم استطردت الإذاعة الوطنيّة مع فيروز لما يزيد عن ساعة ، وتنقّلت على مختلف الموجات ، فكانت الاستضافة في كلّ مرّة أحلى من سابقتها : محمد عبد الوهاب ، نور الهدى ، صلاح عبد الحيّ ، محرّم فؤاد ، أسمهان والجمّوسي وغيرهم ... 
أوّل مرّة منذ فترة أحسّ أنّ تلك الكائنات السّاديّة المنافقة الّتي تحتلّ سيّارتي ليلا نهارا و تكحّ وتعطس وتبصق في أذنيّ رغما عنّي ، وتمطرقُ أعصابي ، وتشدّ أوتارها شدّا عنيفا حتّى تكاد تقتلعها ن تلك الكائنات المافيويّة الطّحلبيّة التّافهة اختفت فجأة لمدّة يوم واحد بمناسبة هذا الإضراب العظيم ، فاكتشفت للإذاعة هذه الوظيفة الرّائعة ، صارت رفيقة حنونة طيلة اليوم ... صار صمتُ غربانها وأنصاف محلّليها وأشباه مثقّفيها وأرباع سياسيّيها وأعشار منشّطيها أعظم ثقافة يمكن أن تجود بها علينا ... نعم ، أقسم أنّ صمتهم بل خرَسَهُمْ هو أعظم ثقافة ومعرفة ومتعة لكلّ حواسّنا ... 
أكثر من ذلك ، أحسستُ أنّ إذاعتنا تقول الصّدق لأوّل مرّة ، عندما نطق محرّم فؤاد على لسانها أو نطقت على لسانه ، لا يهمّ ، حين قال : رخَصْتِ يا دنيا الغالي ... وغلّيتِي اللّي ما يسواشِي ... فأيّ تعبير أصدق من هذا عن حال صحافيّينا الأشاوس ، أبطال الوقت الضّائع ، من قضوا حياتهم يلعبون كمبارس الأفلام الصّامتة بالأبيض والأسود ، واليوم يرفعون شارات النّصر في استقبال الحزين ابن الحزينة الدّعيّ ابن الدّعيّة العيِيّ ابن العيّيةِ زياد الهاني ، وكأنّه مانديلا الإعلام التّونسي ، بعد يومين فقط من الإيقاف التّحفّظي .. لم نرهم يستقبلون الصادق شورو أو أحدا من الألوف المناضلين غيره ، بعد أكثر من عشرين سنة سجنا قضى منها ما يزيد عن 14 سنة في زنزانة انفراديّة يموت فيها الزّمان والمكان ...
المهمّ ... هاهو يوم سعدنا يسير إلى ساعاته الأخيرة ، والغصّة تأخذ طريقها صاعدة من جديد إلى الحلق ، مع منتصف اللّيل سيرفعون إضرابهم ، وستُرفعُ عنّا هذه الرّحمة والنّعمة الّتي عشناها طيلة هذا اليوم المسروق من الزّمان ، ولكن يبقى الأمل في الله معقودًا ن وباب الرّحمة واسعا ... لعلّ الزّمان يجود علينا قريبا أو بعيدًا بإضراب عامّ آخر ، ولعلّ باب الرّحمة يتّسع أكثر فيكون إضراب مفتوحا ، يطيل في أعمارنا ويقصّر في أعمارهم ..
****************
عبد اللّطيف علوي 

jeudi 12 septembre 2013

في نقد المسألة التّربويّة : المُعِيقُ البشريّ


       من أكثر المسائل الحارقة المطروحة في الحقل الوطنيّ منذ ما يزيد عن عشريّتين ، المسألة التّربويّة والتّعليميّة بشكل خاصّ ، غير أنّ هذا الطّرح لم يكن يوما شفّافا ومحايدا لارتباطه بكثير من الحسابات الدّعائيّة والتّسويقيّة .. حيث تداخل الثّقافي والتّربويّ بالسّياسيّ ، وصار من الصّعوبة بمكان تلمّس الوضع الحقيقيّ لما آلت إليه مستويات التّعليم والتّكوين في بلادنا ..

     والحقيقة أنّ الأنظمة الشّموليّة عموما ، لم تسمح – على مدار التّاريخ – بقيام نظام تربويّ وتعليميّ فاعل ، يبني الإنسان ويحفّز قدراته ويؤهّله لأن يحيا بمواطنيّة حقيقيّة ، ويكون شريكا في صنع المصير .. فجاءت برامجها مغلقة على الايديولوجيا الحاكمة ، ممجّدة لتاريخ زعمائها ومبرّرة لكلّ حدث أو اختيار تقوم به مهما كانت تبعاته ...
     لم يكن الأمر في تونس ليشذّ كثيرا عن هذه القاعدة ، حيث راهنت دولة الاستقلال ظاهريّا على التّعليم ليكون الرّافعة الأساسيّة للإنسان والمجتمع ، غير أنّ تلك الاختيارات الوطنيّة لم تكن وطنيّة بمطلق التّحليل ، ولم تكن غايتها الوحيدة هي تحديث المجتمع و تأهيل إنسان واع متعلّم قادر على التّفاعل الإيجابيّ مع " باني تونس الحديثة وصانع مجدها " ، مثلما كان بورقيبة يصرّح في أكثر من مناسبة ... بل كان الهدف هو تغيير بنية المجتمع التّونسيّ وثقافته وثوابته ليصبح قادرا على استيعاب فكر الزّعيم و تبنّيه بمطلق الحرّيّة المسلوبة ، وإعادة إنتاج ثقافة بعينها فشلت بغزاتها فاتّخذت لها مسلكا جديدا عبر الوكلاء ..
      لقد كان بورقيبة يريد أن يثبت للأب الكولونياليّ أنّه قادر على أن ينجح فيما فشل فيه هو طيلة العقود الاستعماريّة ، وأنّه – وهو الملوّن – الحاضن الجينيّ للثّقافة الغربيّة ، قادر على أن ينقل "اللاّمجتمع" التّونسيّ العشائريّ الباترياركاليّ ، من طور البداوة إلى طور التّنظّم المدنيّ الحديث وفق قواعد الثّقافة الغربيّة وقيمها ... لم يكن يريد حقّا شعبا مثقّفا يشاركه البناء و التّحديث وتقرير المصير، وإنّما شعبا متعلّما قادرا على أن يدرك أسرار عظمته ، وعبقريّته ، وعلى أن ينزّل مشروعه التّحديثيّ على أرض الواقع ، تماما كالمهندس المعماريّ الّذي يريد يدا عاملة ماهرة ومؤهّلة ، لتجسّم تصميمه وتخطيطه الخاصّ على أرض الواقع ، دون اجتهاد أو ابتداع ،  ... لذلك كانت البورقيبيّة فكرا ونمط حياة ..
     انطلاقا من هذه الرّؤية ، تحرّكت الأقلام المعتمدة لدى الأجهزة الرّسميّة للدّولة ، لتسطّر البرامج التّعليميّة داخل هذا المربّع الثّقافيّ الجديد ، فكان أن سقط التّاريخ في اختبار الجغرافيا ، واختصر البلد كلّه في واحد بفكره وشخصه وسيرته ومسيرته ، وضرب التّعليم الزّيتونيّ ، وصيغَ الموقف من التّعريب وفق هذه الاعتبارات طيلة الحقبة البورقيبيّة من عمر ما يسمّى :" بالدّولة الوطنيّة "...
      إلاّ أنّه رغم كلّ ما يمكن أن يؤخذ على فلسفة بورقيبة في المسألة التّعليميّة ، لا يمكن أن نكون منصفين إذا لم نقرّ له بدوره الحاسم وأثره في نشر التّعليم في تونس ... تماما كما نقرّ للهلاليّين ، بدورهم التّاريخيّ في نشر اللّغة العربيّة بالمغرب العربيّ ، بقطع النّظر عن ملابسات ذلك الواقع وأهدافه وتبعاته السّياسيّة والحضاريّة ...
لم يكن بورقيبة عدوّا للمعرفة مهما تعدّدت قراءاتنا لمواقفه طيلة فترة حكمه ، لذلك وجد الجيل الأوّل فرصته في التّعلّم النّوعيّ – بقطع النّظر عن مسألة التّوظيف – لكنّ الأمر سيختلف تماما في الفترة " البنعليّة " ... حيث كان هذا الأخير عدوّا حقيقيّا للمعرفة لاعتبارات كثيرة شخصيّة وموضوعيّة ..
    كان بن علي رجلا مهمّشا ، غير ذي حظّ من التّعليم والثقافة – عكس بورقيبة -  تقلّب في كلّ المناصب الّتي تقلّدها بفضل مؤهّلات أخرى لم يكن الجانب الثّقافي والعلميّ أحدها ... ولمّا قفز إلى كرسيّ الرّئاسة ذات 7 نوفمبر ، أحاط نفسه ببطانة لا تقلّ عنه احتقارا لشأن المعرفة .. عصابة من المستفيدين من روابط المصاهرة ، يعيثون في السّوق ويخلقون قوانينهم الخاصّة في التّنفّذ والسّيطرة على كلّ مفاصل العجلة الاقتصاديّة ، وبمثل ما اشترى لنفسه من الشّهائد العلميّة من كثير من جامعات العالم ، كان يعتبر أنّ أقصى غايات المؤسّسات التّعليميّة هي أن تبيع الشّهائد ، كان يراها مجرّد مصانع لإغراق السّوق بالشّهائد العليا ، ولكن بدون رصيد معرفيّ حقيقيّ ...
     لذلك وجدنا أنّه نتيجة لما سمّي بالإصلاح التّربويّ ، حدث أمران في غاية التّناقض : تدنٍّ رهيب في المستوى المعرفيّ والعلميّ لخرّيجيّ " سوق التّربية " ، مقابل ارتفاع مهول في عدد المتخرّجين وتضخّم كبير في المعدّلات في كلّ المستويات ..
    هذان المعطيان يبدوان للوهلة الأولى في غاية التّناقض ، إلاّ أنّ قليلا من التّحليل قد يغني عن كثير من التّأويل ، .. فما سمّي بالإصلاح التّربويّ الّذي بدأ في التّسعينات برعاية السّفارات الأجنبيّة ، كان عملا تخريبيّا ممنهجا للعقل التّونسيّ ، حيث وقع تفريع التّعلّمات في المرحلة الأساسيّة إلى ما يزيد عن عشرين مادّة دون برامج مدروسة أو تكوين للمدرّسين ، وسوّى المشّرّع في الضّوارب وفي التّوقيت بين ما كان يعتبر موادّ رئيسيّة ، وبين الموادّ الجديدة المستحدثة ، فكان أن تشتّت مركز اهتمام المعلّم والتّلميذ ، وامتلأت بطاقات الأعداد بأرقام غير ذات رصيد حقيقيّ في عقل التّلميذ ، وتمادى المشرّع المعتمد لدى سلطة القرار في تمييع المنظومة ، فوقع إلغاء مناظرة السّادسة من التّعليم الابتدائيّ ، وهي الّتي ظلّت طيلة سنين محطّة رئيسيّة في التّقييم الجدّيّ الرّسميّ ، واستحدثت مناظرات أخرى بروتوكوليّة اختياريّة لها هدف تفضيليّ لفئات معيّنة وليس إشهاديّا ، ولم تسلم حتّى مناظرة الباكالوريا من التّمييع والتّحريف ، فقفزت المعدّلات ونسب النّجاح فجأة وامتلأت السّوق الوطنيّة بأعداد من المتخرّجين غير المؤهّلين تفوق طاقتها على الاستيعاب  ..
     كلّ ذلك كان محلّ دعاية النّظام القائم ومفاخرته في المحافل الدّوليّة ، وصار التّعليم في تونس مجرّد أرقام وإحصائيّات كسريّة وعشريّة مضلّلة لمن يعتمد على معطيات الواقع في التّقييم ..
وككلّ نظام قائم على الدّعاية عوض الحجّة والبرهان ، كان لا بدّ من أن يتحوّل صنف كامل من رجال التّربية والتّعليم ، وهم المتفقّدون والمرشدون البيداغوجيّون والمساعدون والمكوّنون والباحثون وحتّى المديرون ، إلى أدوات تسويق ومنتدبين للدّفاع الدّائم عن غائيّات الإصلاح التّربويّ وفلسفته ... بل أكثر من ذلك ، وقع إغراق الحقل البيداغوجيّ عمدا بترسانة ضخمة من المصطلحات التّربويّة المستحدثة والآليّات ، الّتي أُريدَ دائما أن تُقدّم بشكل تعجيزيّ مقصود ، بغرض تقزيم عقل المتلقّي والتّلبيس عليه كي لا تترك مجالا لمنطق الحجّة في تقييم هذا التّمشّي .. فصار المعلّمون تلاميذ محبطين متبلّدي الذّهن ، أمام جنرالات الإرشاد والبيداغوجيا الّذين اختصّوا بعلم المصطلح ، وصاروا هم المصدر الوحيد لمعرفة المجال ، و لا سبيل لمناقشتهم ، بما أنّ التّواصل المعرفيّ معهم قد انقطع تماما ..
     معطى آخر أُضيف إلى المعيق البشريّ الرّسميّ ، حيث ، وفي ظاهرة غريبة ومفاجئة منذ بداية التّسعينات ، لوحظ تزايد عدد المعلّمات الإناث في مختلف المؤسّسات التّربويّة على حساب عدد المعلّمين الذّكور ، وبعيدا عن أيّ مزايدات جنسويّة تافهة ، يجدر التّنبيه إلى جملة من الحقائق السّوسيولوجيّة والسّلوكيّة النّاتجة عن اختلال التّوازن في الإطار البشريّ المدرّس على العمليّة التّربويّة بشكل عامّ ، إذ يحتاج التّلميذ لسلطة اعتباريّة مزدوجة ذكوريّة و أنثويّة تتلاءم مع مختلف جوانب شخصيّته في مختلف أبعادها ، ويؤدّي افتقار العمليّة إلى أحد هذين الاعتبارين إلى اختلال في الجوّ المدرسيّ الملائم ، إمّا في اتّجاه التّصلّب والسّلطويّة ، أو في اتّجاه الانحلال والتّراخي  ، كما أنّه من الثّابت أنّ أغلب منتسبي  هذا القطاع هم من الطّبقتين الوسطى والدّنيا في المجتمع ، وهو ما يحيل على وضعيّة خاصّة للمرأة المثقلة بالالتزامات المعيشيّة اليوميّة ، حيث تجد المرأة / المدرّسة نفسها مجبرة على تحمّل كلّ أعباء العمل الوظيفيّ ، والشّؤون المنزليّة اليوميّة بشكل مرهق و قاهر .. ماهي علاقة ذلك بما نحن بصدده ؟؟
     المقصود أنّ تأثير هذه الوضعيّة الاجتماعيّة على المربّية سيكون ظاهرا وحاسما في مستوى تكوينها المعرفيّ و قدرتها على اكتساب الثقافة أو تجديدها ، حيث لا تجد الوقت ولا الطّاقة الإضافيّة للبحث والتّكوّن الشّخصيّ ، وحيث أنّ الهمّ الثّقافيّ المجرّد يصبح خارج قائمة الأولويّات ، ويصبح الوقت المحدود الّذي تتخلّص فيه المرأة من الهمّ اليوميّ موجّها  للمسلسلات الشرقية والبرامج التّرفيهيّة المبلّدة للذّهن ، عكس الرّجال – وبحكم نفس عوامل الوقت والطّاقة الذّهنيّة والجسديّة – تظلّ لديهم القدرة على نوع من التّجدّد والتّحيين لمعارفهم ولو في شكلها العامّ والسّطحيّ ، إذ يجدون الوقت أكثر لمتابعة الأحداث الرّاهنة أو المستجدّات المعرفيّة المتاحة والتّحاور في شأنها  ... كلّ ذلك جعل التّلميذ يجلس في أغلب الأحيان أمام معلّمات تجمّد رصيدهنّ المعرفيّ منذ سنوات التّخرّج ، واقتصر على الحدّ الأدنى من المعارف الوظيفيّة الضّروريّة حسب البرامج الرّسميّة ، وهو ما سوف ينعكس بالضّرورة على مستوى التّلاميذ ... وطبعا لا ندّعي أنّ هذا المشكل خاصّ بالمعلّمات وحدهنّ دون المعلّمين ، ولكنّه يطرح بأكثر حدّة لدى الإناث ، ويؤثّر بشكل مباشر على المستوى التّعليميّ بحكم أغلبيّتهنّ العدديّة الكاسحة في مؤسّسات التّربية والتّعليم ...
   خلاصة المعضلة التّربويّة اليوم في تونس ، هي أنّنا كنّا جميعا طرشان حول مائدة الحوار ، فالجميع بدون استثناء – من المختصّين وغير المختصّين – يقرّون بتراجع الحاصل المعرفيّ لدى التّونسيّ إلى درجة منذرة بخراب العقول ، لكنّ الموظّفين الرّسميّين في المسلك الدّعائيّ الحكوميّ وحدهم كانوا يروّجون الصّورة بشكل مقلوب تماما ، والجميع يدعون إلى حلّ وطنيّ شامل لهذه المعضلة ، لكنّ الحلول كانت تضيع دائما في أدراج اللّجان ، أو في احتفاليّات الاستشارات الوطنيّة ، الّتي تكون دائما على مبدإ " شاور النّاس الكلّ واعمل شور راسك " ... ويبقى هذا الملفّ مجمّدا بعد الثّورة ، في انتظار فتح مختلف الورشات ذات الصّلة بمقاييس وطنيّة حقيقيّة هذه المرّة ، تعيد لهذا القطاع دوره الفاعل في بناء الدّولة وأنسنة الإنسان ، غير أنّه لا سبيل إلى ذلك في اعتقادي إلاّ بإنشاء "هيأة وطنيّة مستقلّة " تشرف على هذا القطاع ، وتخرجه من دائرة التّجاذب السّياسيّ والتّوظيف الايديولوجيّ ، عندها يمكن أن نطمح إلى برامج دراسيّة جادّة مربوطة بأهداف وطنيّة جامعة ، ويمكن أن نأمل في تقييم دوريّ نزيه لمستوى الحاصل العلميّ في مختلف المستويات ، وتعود للشّهائد التّونسيّة قيمتها التّنظيريّة ، وفاعليّتها في معترك بناء الوطن الجديد .
****************
عبد اللّطيف علوي  

mardi 10 septembre 2013

من لليتامى !! ؟


من لليتامى لا أبٌ لهمُ و لا أمُّ ...  
رحل الأحبّةُ دونهم ، ليلى وزيْنُ العابدينْ
عامان لا خبرٌ يذيبُ الثّلجَ أو يَشْفي غليلَ الحاقدينْ
عامان دون رعايةٍ موصولةٍ
دون التفاتَتِه الكريمةِ أو عنايتِهِ  و توجيهاتِ  حضرتِه ،
فخامتِه ، جلالتِه و دون جحيمِ جنّتِهِ وحرصٍ من سيادتِهِ على مرّ السّنينْ ..
عامان مرّا والمواكبُ لم تعد تلك المواكبُ ،
كان يمشي بينهم مثل الإلهِ على رقاب المخلصينْ
تعنو له كلُّ الوجوه  ، وجوهُهُم ،،
و تُمرَّغُ  الهاماتُ بين يديه ذلاًّ وانكسارَا ،
مثل غضِّ العشبِ  تحت حذائِه يتقصّفُ ،
و يبوسُ خدّ حذائِهِ  ليلا نهاراَ ..
عامان مرّا و اللّيالي مُرَّةٌ ،
و حياتُهم  ليلٌ بلا ليلَى ، و في أكبادهم  جرحٌ  دفينْ
حتّى نوفمبرُ كان يأتي بالرّبيعِ الطّلقِ في عزِّ الخريفِ ،
فتزهر السّاحاتُ والكلماتُ ..
صار اليومَ - يا لهْفِي - نُوفَمْبَرُهُمْ حزينْ
من لليتامى ؟؟؟
كان سيّدُهم رحيما طيّبًا ..
و عصاهُ من ذهبٍ ، يَهشُّ  بها على الغنَمِ الوديعَهْ ..
كان يكفي أن تُطيعَهْ
كي يُدلّلَها ويَحمِلَها على الكتفينِ أعلَى ثمّ أعلى ثمّ أعلى ما يكونُ ،
إلى المقاماتِ الرّفيعهْ ..                                                    
عشرين عامًا منه وازدادتْ ثلاثا وهو يَسقيهِم دمَاء الكادحينْ
و يقطّرُ العرق المصفّى في خزائنِهِمْ ،
و يكسوهم جلودَ الجائعينْ
عشرين عاما يهتفونَ ، يُثمّنونَ وُعُودَهُ ،
ويُحدّثون عن العدالةِ والأمانِ ودولةِ العميانِ ،
عن حرّيّةِ الإنسانِ رغم سلاسلِ السّجَّانِ ،
كان يعلّم العلماء كيف يفكّرونْ
ويعلّم الشّعراء كيف يعبّرونْ
ويعلّم الفقهاء كيف يسبّحونْ
ويعلّم الفقراء كيف يَقْنَعُونْ
ويعلّم العشّاق كيف يغازلونْ
ويعلّم الأموات كيف يصفّقونَ ويرقصون ويحلمون بعطفهِ و يُصوّتونَ ، يُناشدونْ ...
فمن لهم ؟؟ من لليتامى بعدهُ ؟
مرّت شهورٌ أو تزيدْ ..
وتحرّكت في الذّئب شهوتُه القديمةُ ، فجأةً ...
رُفِعَ السِّتارُ .. و دبَّ فوق الرّكحِ شيءٌ غامضٌ ..
كخطى الذّئاب ترادفتْ تتشمّمُ الحمَلَ الطّريدْ
وكخيطِ نملٍ سار فوقَ دمِ الشّهيدْ
نبتتْ رؤوسٌ للتّجمّعِ من جديدْ
وبكى اليتامى كالصّغارِ الغُرِّ بين يديْ سليلِ الغابرينْ
هذا زمانُك أيّها الحاوي الهجينْ ..
هذا زمانك ، فاصطنعْ لرياحنا فُلْكًا ..
ومنّا العهدُ لن نبقِي لهم مُلْكَا
و لن نبقي لهم حجرًا ولا شجرَا
ولا شمسًا ولا قمرَا
ولا بيتًا و لا زيتًا و لا برًّا ولا بحرًا  ..
سنحرقُ ما تبقّى تحت أرجلهم وفوق رؤوسهمْ
حتّى يَعُودوا مرّة أخرى حفاةً طائعينْ ..
لك ما تشاءُ من الكساءِ ... كسائِنا
خذ ما تشاءُ من النّساءِ ... نسائِنا
لك ما تشاءُ من الغناءِ أو البكاءِ ، من المديحِ ومن تذلُّلِنا الفصيحِ ،
من الجرائدِ والقصائدِ، من بقايا سكرِنا  أو صحوِنا وكنِ النّبيَّ المنتظرْ ..
إنّا غُلِبنا  فانتصرْ
إنّا غلبنا  فانتصرْ . ..
وسرى ابنُ آوى من جديدٍ تحتَ جنحِ اللّيلِ يعتصرُ الدّوالي النَّائمهْ
ويبيعُ تاريخًا ذميمًا فاسِدًا ...
 فتفوحُ رائحةُ الخيانةِ والدّماءِ
دماءِ صالحٍ بنِ يوسفَ و الكرامِ ولزْهرِ الحرِّ الشّهيدْ
قل ما تشاءُ وما تُريدْ
اليوم تلقَى اللّعنةَ الكبرى و يلفُظُ  قبرَك التّاريخُ دونهمُ
 هم الأحرار أخرسَهم سليلُ البائدينَ ،
وحدّثت عنهم وطاويطُ البغايا والعبيدْ  ..
 قل ما تشاء وما تريدْ
واحشُدْ بقايا البُومِ والغربانِ والنّملِ المُهاجرِ واليتامَى من بعيدْ
ما عادَ يعرفكم صغير أو كبير بيننا
ما عاد يجهلكم جهولٌ بيننا
ما عاد يسمعكم سميع بيننا
ما عاد يبصركم بصير بيننا
فكن الزّعيمَ الفذَّ واحشُدْ من تشاءُ ومن تُريدْ ..
إنّا خُلِقْنا من جديدْ
وسنشهد اللهَ الّذي أحيا الشّعوبَ بنا و أوقدَ نارَها ،
ما عاد في تاريخنا كفٌّ نصافحها ، نعاهدها ، نقبّلها ونرفعها ،..
 سوى كفِّ الشّهيدْ ..
عبد اللطيف علوي /26/12/2012

vendredi 6 septembre 2013

نريد دولة بلا ضمير !! .


غداة الاغتيال الأوّل ( بما أنّنا دولة أصبحت تؤرّخ بالاغتيالات ) خرج علينا المغفور له حمّادي الجبالي ، ليخبرنا أنّه قرّر- بدافع من ضميره ، ودون الرّجوع إلى أيّ كان من غبار هذا الشّعب ( التّعبير لبورقيبة رجل الضّمير الأعظم ) – أن يحلّ الحكومة ويدعو إلى حكومة تقنوقراط ، ستكون لها كلّ العصيّ السّحريّة لإخراج البلاد من أزمتها ، حدث ذلك في حركة بهلوانيّة غريبة فاجأت الحلفاء قبل الخصوم ، وأربكت المشهد السّياسيّ طيلة أشهر ..
وغداة الاغتيال الثّاني ، وما تلاه من أعمال البلطجة السّياسيّة لجماعة الرّحيل و خنقتونا والفشل الكلويّ المزمن ... خرج علينا " الزّعيم " بن جعفر ، ليخبرنا أنّه هو أيضا قرّر- بدافع من ضميره ، ودون الرّجوع إلى أيّ كان من غبار هذا الشّعب – أن يعطّل عمل المجلس التّأسيسيّ إلى أجل يقرّره هو حسب حالة ضميره ، ...
وغدا ، إذا قدّر الله ووقع اغتيال ثالث ، أو أيّ مصيبة أخرى ، أخشى أن يخرج علينا المرزوقي – بما أنّ الرّئاسات الثّلاثة تقتسم حصريّا مونوبول الضّمير وتستعمله بالتّداول والوفاق – أخشى أن يخرج علينا ويعلن أنّه هو أيضا قرّر - - بدافع من ضميره ، ودون الرّجوع إلى أيّ كان من غبار هذا الشّعب – أن يحلّ الرّئاسة والدّولة والشّعب ، ويجعلنا مقاطعة ملحقة بالجزائر أو فرنسا أو التّشاد ، كي يدفع جميع الأطراف إلى التّوافق والجلوس إلى طاولة المفاوضات ...
وطبعا ، المطلوب منّا كشعب مطيع وديع حسن النّيّة ، أن نحسن النّيّة بفراسة قادتنا وحكمتهم وإخلاصهم و قدراتهم الخارقة على ابتداع الحلول الخاصّة الّتي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، كيف لا ؟؟ وهم قد حكّموا فينا ضمائرهم الصّافية الصّادقة ؟
لا أعرف " ايه حكاية الضّمير اللّي ماشيهْ في البلدْ اليومين دُولْ ؟؟" على رأي عادل إمام ..
ما هذا الهراء والتّنطّع السّياسيّ ؟ ما هذه القيميّة الذّاتيّة الصّبيانيّة الخارجة عن أيّ منطق أو قانون أو عرف سياسيّ في إدارة الشّأن العامّ ؟؟
هذا الضّمير الّذي يتحدّثون عنه ، أقصد الضّمير البشريّ عموما ، ليس له وضع دائم مستقرّ كي نتحدّث عنه في المطلق ، إنّه دائما يكون على حالة صاحبه : فقد يكون هذا الضّمير مسترخيا ، أو متنطّعا ، غبيّا ، مخاتلاً ، عميلا ، أفّاقًا ، مترهّلاً ، ناعسا ، صاحيا ، جبانًا ، موتورًا ، متزلّفًا ، جاهلاً ، وطنيّا ، مستوردًا ... وقد يكون ضميرًا في حالة سكر ، أو عطالة ، أو موت سريريّ أو في حالة ضياع ، أو حتّى في وضع مخلّ بالآداب .. وأحيانا يكون الضّمير كنيّة صاحبه " مقعْمِزْ"
والضّمير البشريّ ، حاله كحال الضّمير النّحويّ ، قد يكون معربا وقد يكون مبنيّا ، قد يكون متّصلاً بما نعرف وأحيانا لا نعرف ، وقد يكون منفصلا عن الواقع والتّاريخ والمصلحة الحقيقيّة للوطن ، وقد يكون مستترا تحرّكه أيادٍ قذرة متآمرة
وهناك نوع آخر من الضّمير ، لمن يعرفه ، اسمه ضمير المنّاعي ...
يعني أنّه من السّخف والهرطقة ، أن تطلب منّا أن نحسن بك الظّنّ لمجرّد أنّك تنطلق من ضميرك ( هذا إذا سلّمنا أنّك تنطلق فعلا من ضميرك وليس ممّا وراءه ..) وحتّى الانطلاق من الضّمائر الصّادقة ، لا يوصل بالضّرورة إلى سلامة الاختيار ... وكم من مصائب تحلّ بالأفراد أو الجماعات يكون المنطلق فيها حسن النّيّة ، وسوء التّقدير ...
يجب أن يفهم هؤلاء الرّؤساء ، و كلّ من وجد نفسه في منصب يهتمّ بالشّأن العامّ مهما قلّ شأنه أو علاَ ..، أنّنا لا نريد بعد اليوم أن تحكّموا فينا ضمائركم !!! نريدكم أن تحكّموا فينا القانون ، ولا شيء غير القانون ... نريد أن نعيش مواطنين في بلد لا يحكمه أنصاف آلهة ، ولا حتّى آلهة ..
نريد أن يحكمنا بشر مثلنا ، خطّاؤون ، مُعرّضون مثلنا لأن يرتكبوا الحماقات وأن يكذبوا ويراوغوا ويغدروا ويخونوا، ولذلك نخضعهم لمسطرة القانون ، ونحاسبهم كما يحاسبوننا ، ولا نريد زعماء ملهمين ، أو أولياء صالحين يعقدون النّيّة فيصدق قولهم وعملهم ..
نريد دولة حقيقيّة ،لا مجرّد قبيلة أو عشيرة تحكمها نوايا كبرائها ونزواتهم ... دولة قانون ومؤسّسات ، تكون المسؤوليّة فيها واضحة عن كلّ إخلال أو تقصير في خدمة مواطنيها ، دولة تقوم على احترام مسالك اتّخاذ القرار وفق القانون والأصول والعرف الدّيموقراطيّ ، ولا نريد ألقابا جديدة كالمعتصم والمقتدر والمنصور ..إلخ ..
كفّوا عن التّعامل معنا بمنطق المستبدّ العادل و أهل البركة المكشوف عنهم الحجاب .. أنتم قادة شعوب ولستم أولياء صالحين أو مجموعة من الدّراويش والمجاذيب المستجاب دعاؤهم لخلاص نواياهم وصدق ضمائرهم ... وأعطونا دولة بلا " ضمير " ، نعطكم شعبا عظيما
***********************
عبد اللّطيف علوي 







jeudi 5 septembre 2013

رسالة إلى مؤسّسات الرّئاسة والحكومة والمجلس التّأسيسيّ









نحن بصفتنا مواطنين لا رعايا نعلن ما يلي : 
- إنّ موازين القوى داخل أيّ بلد تعبّر عنها حصريّا آخر انتخابات حرّة نزيهة ، وعليه فإنّه لا يجوز لأيّ كان أن يدّعي أنّه يملك تفويضا من الشّعب إلاّ من انتخبهم ، وهذا التّفويض لا يجوز التّصرّف فيه بالرّهن أو الإحالة أو الإعارة أو الكراء أو البيع أو الشّراء ، وعلى الحكومة أن تلزم حدود تفويضها 
- إنّ من يتخلّى عن الأمانة الّتي كلّفه بها الشّعب هو خائنٌ كائنًا من يكونْ 
- إنّ الحكومة بخضوعها لخيار الاستقالة هي أيضا شريكة في الانقلاب وتتحمّل كلّ المسؤوليّة السّياسيّة والقانونيّة عن ذلك .
إنّه على رئيس الحكومة أن يتحمّل مسؤوليّته الوطنيّة كاملة وبكلّ استقلاليّة حتّى عن حركة النّهضة ، فهذه حكومة كلّ التّونسيّين ، وليس للغنّوشي أو لغيره أيّة صفة رسميّة في الدّولة كي يقرّر ما يجب على الحكومة فعلُه .
- ليس هناك من هو أكبر من الشّعب ، أشخاصا أو أحزابا أو منظّمات ، وعلى الجميع أن يتعامل مع هذه العتبة كخطّ أحمر ولا حُرمةَ لأيّ كان بعد ذلك ..
( من يوافق على ما ورد أعلاه يبرطاجي ...)

رسالة إلى الزّعيم " بن جعفر "




-        أوّلا نذكّرك بأنّ عصر الزّعيم الملهم قد انتهى ، و لم يبقَ له وجود إلاّ في بعض العقول المحنّطة الّتي تربّت في ظلّ ثقافة الفردانيّة والشّخصنة وتأليه الحكّام ..
-        ثانيا : نذكّرك أنّك حتّى وإن كنت زعيما ، فأنت زعيم لما تبقّى من حزب التّكتّل ولست زعيما للتّونسيّين ، بل أنت خادمٌ لهم موكّلٌ بأداء وظيفة محدّدة وفق ضوابط محدّدة وأعراف لن تبتدع فيها الجديد ، ولست وصيّا على المصلحة العليا للبلاد بصفتك الشّخصيّة ولا الحزبيّة
-        ثالثا : إنّ أعضاء المجلس التّأسيسيّ جميعهم لا يقلّون عنك بأيّ حال من الأحوال ، شرعيّةً وتمثيليّةً و إدراكا للمصلحة الوطنيّة ، وليسوا حريم السّلطان كي تقرّر بالنّيابة عنهم وفي تجاهل تامّ لإرادتهم ومواقفهم وعنجهيّة لا تعبّر إلاّ عن مرض الأنا وثقافة لا أريكم إلاّ ما أرى ..
-        رابعا : إنّ احتقارك للأغلبيّة السّاحقة من النّوّاب وتعاليك عليهم هو احتقار للشعب الّذي انتخبهم وتعالٍ عليه .
-        خامسا : إنّ الزّجّ بالمجلس التّأسيسيّ في خضمّ التّجاذبات السّياسيّة والحملات الدّعائيّة الانتخابويّة هو انزياح خطير عن علويّة هذه المؤسّسة ، و عن مهامّها الوطنيّة ، وليس من حقّك بصفتك ولا بشخصك ، أن توظّف هذه المؤسّسة للضّغط على أيّ طرف سياسيّ وابتزازه ودفعه إلى زاوية الأمر الواقع ..، وليس هناك ما يبرّر الرّبط بين استئناف المجلس لعمله ، وبين ما سيؤول إليه أمر الحوار المتعطّل ، أو بالأحرى المعطّل من أطراف معلومة تريد دفع البلاد إلى سيناريو مظلم في سبيل أهدافها الانقلابيّة المفضوحة .
-        سادسا : لقد قلت إنّك تقف على نفس المسافة من جميع الأطراف ، وهذا ليس شرفا ولا شأنا يعتزّ به رئيس مجلس تأسيسيّ شرعيّ منتخب هو باكورة ثمرات الثّورة ، أنت ممثّل لأعلى سلطة شرعيّة منتخبة في البلاد ، وكان من المفروض أن يكون انحيازك مطلقا لخيار الشّعب الّذي انتخبك ، لا أن تساوي بين دعاوى الفوضى والانقلاب وإسقاط المسار ، وبين خيار السّيادة الشّعبيّة المعبّر عنها حصريّا بالانتخاب وحده دون سواه .
-        سابعا : إنّ العنتريّات من نوع " ما نخاف من حتّى حد " و" ما نتبّع كان ضميري " هي شعارات شعبويّة جوفاء تحيل مرّة أخرى على عقليّة التّعالي وليست من السّياسة في شيء ، فهذا الكلام يصحّ فيما تعلّق بشؤونك الخاصّة ، ولك مطلق الحرّيّة في ذلك ، أمّا شأن الوطن فليس رهينا لضمير أيّ كان ولا لشجاعته أو فروسيّته ، بل هو رهين لمؤسّساته الشّرعيّة وأصول العمل الدّيموقراطيّ الحقيقيّ الّذي تجاوزته بقراراتك الفرديّة غير القانونيّة .
-        تاسعا إنّ التّمادي في تعطيل أهمّ مؤسّسة شرعيّة مؤتمنة على تحقيق استحقاقات الثّورة ، وأهمّها الدّستور والمرور بالبلاد إلى عتبة الوضع المستقرّ ... هذا التّعطيل لا يمكن أن يفهم إلاّ ضمن التّواطؤ مع المسار الانقلابيّ ، ويلقي بظلال كثيرة من الشّكّ حول حقيقة الدّور الّذي تقوم به في هذه الفترة الحسّاسة من تاريخ البلاد .. وإنّ الشّعب التّونسيّ لن يقبل أن يكون موضوعا للرّهان والمقامرة من هذا الطّرف أو ذاك ... وسيعرف كيف يحقّ الحقّ ويصون إرادته وبلاده في كلّ الأحوال .


dimanche 1 septembre 2013

كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟


كانتْ لأمّي سيرةُ العذراءِ ،
 لمْ ترَ في الزّحامِ سوى وجوهِ الصّالحاتِ ،
وكنتُ أسمعها تدندنُ خلفَ مِنْسَجِها القديمِ ، 
فأنْتَشِي حدَّ البكاءِ
وكانَ لي شيءٌ من السّحْرِ المُقَدَّسِ في تمائمِها الخفيّةِ دائِمًا 
وكأنّها تُصْغِي لأجراسِ القَدَرْ
لم تكترِثْ يومًا بألسِنةِ المَشِيبِ أو التّجاعيدِ الكثيرةِ ،
وهي تزحفُ فوقَ هامتِها ببطْءٍ كالرّمالْ ..
مازلتُ أذكرُ يومَ أخطأتُ الطّريقَ وعضّنِي كلبٌ فأثخنَ في يدي
ورجعتُ أبكي فوق ركبتِها و أمسِكُ ساعدِي
لكنّها نظرتْ إليَّ بقسوةٍ فيها الدّلالْ ..
- قلتُ : لا يبكي الرّجالْ 
واليوم يا أمّي مضى زمنٌ طويلٌ عنْ حكاياتِ الصِّبَا لكنّني ..
مازلتُ لم أفهمْ تماما : كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
هلْ تُدركينَ و نحنُ نحيا في بلادِ القهرِ والعدوى مُسوخًا 
كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
هل تدركينَ اليومَ
معنى أن تكونَ " إذا نزلتَ بِدارِ ذلٍّ " لا تَلِيها "فــارْحَلِ " 
و بأنّنا منذ الولادةِ ينبتُ العُلِّيقُ في أفواهنا 
ونصيرُ شيئًا تافِهًا مثلَ الغسيلِ ، معلَّقًا فوق الحبالْ
كيفَ لا يبكي الرِّجالْ ؟؟
ومنِ الّذي يبكي إذنْ إن كان لا يبكي الرِّجالْ ؟؟
مَنْ أزهقتْ أحلامُهم وتكسّرتْ خلفَ المرايا مثلما شرفُ الصّبايا ... 
كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
من يزهدونَ كأنبياءٍ في أراجيح الطّفولةِ أو حماقاتِ الشّبابِ 
و يحلمون بجنّةٍ للصّابرينَ هنا على هذا التّرابِ 
و يعزفونَ و ينزفونَ و يحفظونَ الشّعرَ عن وطنٍ يُضيءُ قبورهمْ ..
لكنّهمْ يستنزفونَ العمْرَ في زنزانةٍ منسيّةٍ 
محفورةٍ ما بينَ أرحامِ الجبالْ 
كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
عندمَا يستيقظُ الأطفالُ قتلى في حجورِ النّائحاتِ 
ويسألونَ بِأيِّ ذنبٍ ؟ .. يرحلونْ ؟
ويزحفونَ على الرّمادِ إلى صدورِ الأمّهاتِ 
لكنّهمْ يجدونَها مَفْجُورةً  تحتَ الرّكامِ تكسّرتْ فيها النّصالْ 
كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
في حضرةِ امرأةٍ تُعِدُّ لزادِ فارسِها الكفَنْ
وتَضمُّ معطفَهُ على كتفيهِ في لهَفٍ :
-  تدثّرْ يا حبيبي جيّدًا ، فاللّيلُ في الأحراشِ أبردُ ما يكونْ
وتسيرُ خلفهُ خطوتينِ لكي تودّعَهُ ببسمتِها الأخيرةِ ، 
خلفَ أدمعها الثّقالْ
كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
ومنِ الّذي يبكي إذنْ إن كان لا يبكي الرِّجالْ ؟؟
.....................
عبد اللطيف علوي