mardi 17 septembre 2013

رخَصْتِ يا دُنيا الغالي ..

رخَصْتِ يا دُنيا الغالي ... وغلّيتِي اللِّي ما يِسْوَاشِي ..

*********************************

هذه الجملة من رائعة محرّم فؤاد : كلُّو ماشي ماشي ... يا دنيا خلاص ما بقاشي ..
هذه الأغنية الحبيبة إلى قلبي بشجنها وصدقها ، سكنتني منذ سنوات الطّفولة الأولى ، وقد تهتُ عنها وكدتُ أنساها في زحام الأيّام ، فلم أسمعها منذ سنين ..
اليوم – بمناسبة الإضراب العامّ لفرسان الإعلام البنفسجيّ – كان يوما ممتعا بما استمعت إليه ، وأنا في السّيّارة حيث أجد الفرصة الوحيدة للاستماع إلى الإذاعة – قلت إنّه كان يوما ممتعا هادئًا خفيفا على القلب والرّوح والعقل ... يااااه ... لم أكن  أعرف  بأنّ الإذاعة يمكن أن تكون فاعلةً وحنونة  على أعصابنا بين فترات الشّغل وتحت الضّغط المتواصل .. اليوم استطردت الإذاعة الوطنيّة مع فيروز لما يزيد عن ساعة ، وتنقّلت على مختلف الموجات ، فكانت الاستضافة في كلّ مرّة أحلى من سابقتها : محمد عبد الوهاب ، نور الهدى ، صلاح عبد الحيّ ، محرّم فؤاد ، أسمهان والجمّوسي وغيرهم ... 
أوّل مرّة منذ فترة أحسّ أنّ تلك الكائنات السّاديّة المنافقة الّتي تحتلّ سيّارتي ليلا نهارا و تكحّ وتعطس وتبصق في أذنيّ رغما عنّي ، وتمطرقُ أعصابي ، وتشدّ أوتارها شدّا عنيفا حتّى تكاد تقتلعها ن تلك الكائنات المافيويّة الطّحلبيّة التّافهة اختفت فجأة لمدّة يوم واحد بمناسبة هذا الإضراب العظيم ، فاكتشفت للإذاعة هذه الوظيفة الرّائعة ، صارت رفيقة حنونة طيلة اليوم ... صار صمتُ غربانها وأنصاف محلّليها وأشباه مثقّفيها وأرباع سياسيّيها وأعشار منشّطيها أعظم ثقافة يمكن أن تجود بها علينا ... نعم ، أقسم أنّ صمتهم بل خرَسَهُمْ هو أعظم ثقافة ومعرفة ومتعة لكلّ حواسّنا ... 
أكثر من ذلك ، أحسستُ أنّ إذاعتنا تقول الصّدق لأوّل مرّة ، عندما نطق محرّم فؤاد على لسانها أو نطقت على لسانه ، لا يهمّ ، حين قال : رخَصْتِ يا دنيا الغالي ... وغلّيتِي اللّي ما يسواشِي ... فأيّ تعبير أصدق من هذا عن حال صحافيّينا الأشاوس ، أبطال الوقت الضّائع ، من قضوا حياتهم يلعبون كمبارس الأفلام الصّامتة بالأبيض والأسود ، واليوم يرفعون شارات النّصر في استقبال الحزين ابن الحزينة الدّعيّ ابن الدّعيّة العيِيّ ابن العيّيةِ زياد الهاني ، وكأنّه مانديلا الإعلام التّونسي ، بعد يومين فقط من الإيقاف التّحفّظي .. لم نرهم يستقبلون الصادق شورو أو أحدا من الألوف المناضلين غيره ، بعد أكثر من عشرين سنة سجنا قضى منها ما يزيد عن 14 سنة في زنزانة انفراديّة يموت فيها الزّمان والمكان ...
المهمّ ... هاهو يوم سعدنا يسير إلى ساعاته الأخيرة ، والغصّة تأخذ طريقها صاعدة من جديد إلى الحلق ، مع منتصف اللّيل سيرفعون إضرابهم ، وستُرفعُ عنّا هذه الرّحمة والنّعمة الّتي عشناها طيلة هذا اليوم المسروق من الزّمان ، ولكن يبقى الأمل في الله معقودًا ن وباب الرّحمة واسعا ... لعلّ الزّمان يجود علينا قريبا أو بعيدًا بإضراب عامّ آخر ، ولعلّ باب الرّحمة يتّسع أكثر فيكون إضراب مفتوحا ، يطيل في أعمارنا ويقصّر في أعمارهم ..
****************
عبد اللّطيف علوي 

Aucun commentaire: