mercredi 28 août 2013

أين الحقيقة في مؤتمر : "كشف الحقيقة" ؟؟




ملاحظات أوّليّة :
ملاحظة أولى :  رموز تنظيم أنصار الشّريعة ، صرّحوا في أكثر من مناسبة أنّهم يستلهمون فكر القاعدة ، و يتّبعون نهج بن لادن في فرض "شرع الله ومقاومة الطّاغوت "... فلا بطولة إذن لمن يدّعون الدّفاع عن هذا التّنظيم بنفي هذه المعطيات جملة وتفصيلا ، فهم هنا كالمحامي الّذي ينفي ما يصرّ عليه المتّهم نفسه في اعترافاته
ملاحظة ثانية : طبيعة هذه الحركات الجهاديّة تقوم على الاستعداد ، اللّوجيستيّ والمادّي (في قراءتهم الخاصّة لـ "وأَعِدُّوا "... ) للمرحلة المتقدّمة من الجهاد ، بعد مرحلة الجهاد الدّعويّ ، وهنا نتذكّر التّصريح المتكرّر لأنصار الشّريعة : تونس مازالت "إلى الآن" أرض دعوة وليست أرض جهاد ... وهنا وجب التّسطير بالأحمر تحت إلى الآن ، يعني أنّ مسألة المرور من مرحلة إلى أخرى هي مرحلة تمشّ ونضج للظّرف العامّ ... ومن هذا المنطلق ، يصبح من الطّبيعيّ والبديهيّ أن يتجهّز أنصار الشّريعة لهذه المرحلة القادمة المفترضة بالسّلاح والتّدريب وكلّ ذلك ...
ملاحظة ثالثة : "أنصار الشّريعة" لم تعترف أبدا بشرعيّة الدّولة التّونسيّة القائمة ، بكلّ سلطها وقوانينها ومؤسّساتها ، ولا أدلّ على ذلك من رفضها ذات يوم لمبدإ الاسترخاص لإقامة مؤتمرها ، ونذكر كلّ ما حدث بعده .. من الطّبيعيّ إذن أن نؤسّس على ذلك جملة ما يأتي من استنتاجات و سيناريوهات ممكنة لتعامل هذه الجماعة مع الدّولة ، بقوّة الاستدلال وقوّة التّرابط ، حتّى إذا عدمنا الحجج القانونيّة والواقعيّة لهذه الاتّهامات ..


        لكن  رغم كلّ ذلك تبقى الأسئلة الّتي تثيرها النّدوة الصّحفيّة التي عقدتها وزارة الدّاخليّة اليوم بتاريخ 28 / 8 / 2013 أكثر بكثير من أيّة حقائق يمكن أن تكون قد قدّمتها ، أوّلا لأنّها لم تبرّر العلاقة التي أقامتها بين جملة من الوقائع والوسائل المقدّمة ، وبين الهدف الاستراتيجيّ لهذه الجماعة وهو الاستيلاء على السّلطة ، وثانيا لأنّها لم تفسّر التّقاطعات الواضحة بين هذه الوقائع وبين التّجاذبات السّياسيّة الّتي عاشتها بلادنا طيلة هذه الفترة ... يعني أنّ الدّاخليّة تقدّم لنا جملة من "الحقائق" تريدنا أن نسلّم بها دون أن نربطها بتفاعلات المعترك السياسيّ في تونس  
-       أوّلا : مسألة الاستيلاء على السّلطة هي تهمة قديمة بلا أذرع ولا أرجل ، فهل نتصوّر أنّ هذا التّنظيم يخطّط لتنفيذ هذا الأمر بعدّة أسلحة يدويّة : كلاشينكوف و بنادق آليّة ومجموعة حواسيب هنا وهناك وهواتف محمولة .. كأنّه هجوم على قبيلة وليس على دولة بجيشها وأمنها وكلّ مقوّماتها ، كما أنّ هذا الهدف الاستراتيجيّ لا يمكن أن يفسّر وقائع محدّدة كاغتيال شخصيّات معيّنة من حساسيّات معروفة
-       ثانيا : تنظيم أنصار الشّريعة ليس معنيّا بالتّجاذبات السياسيّة على السّاحة ، فلماذا قتل البراهمي بالذّات ، وماهو وزنه السياسيّ أو درجة عدائه لهذا التّنظيم ، ولماذا قرّر استهداف شخصيّات أخرى ليس من ضمنها أيّ مسؤول في الدّولة ؟ ألم يكن من الأنسب أن يستهدف شخصيّات رسميّة كعنوان لاستهدافه للدّولة الّتي يريد إسقاطها ؟
-       ثالثا : لماذا تقاطعت هذه الاغتيالات مع مناسبات محدّدة طرح فيها مشروع قانون تحصين الثّورة بقوّة ، ولماذا قفزت مباشرة بعد هذه الأحداث قوى محدّدة واستثمرتها في كلّ مرّة لأهداف سياسيّة واضحة لا لبس فيها : وهي إسقاط الشّرعيّة و تجريم النّهضة و إلغاء المسار الانتقاليّ برمّته .. يجب أن نتصوّر تنسيقا عجيبا بين أنصار الشّرعيّة كأداة تنفيذ ، وبين أعدائها المفترضين الّذين تستهدفهم بالاغتيال ( التّجمّع واليسار خاصّة ) كأداة تخطيط ... خاصّة أنّنا لاحظنا أنّ هذه القوى لم تكن فعلا قد فاجأها لا الاغتيال الأوّل ولا الثّاني  ... بدليل أنّها في كلّ مرّة تخرج علينا في جاهزيّة غريبة واستعداد تامّ تمرّ مباشرة إلى تنزيل مشروعها الجاهز بكلّ تفاصيله وشخوصه وتحالفاته ..
-       رابعا : بعد المأساة المصريّة ، اكتشف البعض منّا وتأكّد البعض الآخر ، أنّ جهازي الدّاخليّة والجيش  في مصر لم يتغيّرا قيد أنملة عن عقيدتهما السّابقة : وهي الولاء التّامّ لنظام الاستبداد ... بل تأكّد أنّ كلّ المؤامرات الّتي عاشتها مصر طيلة حكم مرسي كانت من تدبير المخابرات العسكريّة ، والأمثلة هنا لا تحصى ( يكفي أن نذكر أحداث ماسبيرو ومجزرة مشجّعي الأهليّ وعدم تفعيل حالة الطّوارئ و حالات الانفلات الأمنيّ حتّى توّج الأمر بالانقلاب على الشّرعيّة وإعادة مصر إلى بيت الطّاعة الدّوليّ ) فما الّذي يضمن أنّه ليس لدينا نحن أيضا لوبيّات داخل الأمن والجيش تريد أن تمارس نفس الدّور ، فتغطّي على قوى معيّنة مضادّة للثّورة داخليّة وخارجيّة ، و في نفس الوقت تورّط حركة النّهضة في حرب بالوكالة ضدّ أنصار الشّريعة ، لا يربح فيها إلاّ من بنى استراتيجيّته على ضرب القوى الإسلاميّة ببعضها ، تماما مثلما وقع في مصر ووضع حزب النّور كرأس حربة في مواجهة الإخوان ..
    خلاصة الرّأي أنّه يحدث في علم الرّياضيّات أحيانا أن ننطلق من معطيات صحيحة ، لكنّنا نصل بها إلى نتائج خاطئة ... والمعطيات الصّحيحة الّتي قامت عليها النّدوة الصّحفيّة ، أو الّتي صدّرت بها هذا المقال في شكل ملاحظات أوّليّة ، لا ينبغي أن تكون غطاء للتّعمية على معطيات أخرى تتداخل معها و تدفع بها وتستفيد منها في رسم ملامح الوضع السّياسيّ والأمنيّ في المرحلة السّابقة ... ومادامت السّلطة القائمة تصرّ على أن تقدّم لنا الحقيقة في شكل جرعات أو مشاهد مجتزأة ، فإنّ الحقيقة الّتي قدّمها مؤتمر " كشف الحقيقة " تدفعنا أكثر لأن نبحث عن حقائق أخرى تكمّلها ، في مكان مّا وراء السّتار.


ـــــــــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي

Aucun commentaire: