vendredi 23 août 2013

لاَ شيءَ يا قلبي جديرٌ بالنّدَمْ

لاَ شيءَ يا قلبي جديرٌ بالنّدَمْ ..
لم يترُكوا لي حُجّةً تكفي ولا سببًا لأحزنَ بعدهمْ 
كلُّ الّذين تراقصوا - قبل السّقوطِ - على بساطِ الرّوحِ كانوا نزوةً ، 
ومضتْ بما تحتاجُ من حبرٍ ودَمْ ..
لاَ شيءَ يا قلبي جديرٌ بالنّدَمْ ..
الأصدقاءُ وهم قليلٌ ما بَقُوا ..
تركوا حقائِبَهُم بلا أسمائِهِمْ وتفرّقُوا
لم نتّفِقْ حول الكثير من التّفاصيلِ الحميمةِ : 
مَن يمُدُّ يديهِ قبل أخيهِ ، من يبكي لغيبتِهِ ، 
ومن يُلقي التّحيّةَ أوّلاً ..
مَن يملأُ السّاعات من شجَنِ الحديثِ إذا التقينَا ..
مَن يكابرُ إن بكيْنا ، 
من يَعِفُّ عن الملامةِ حينَ يُظْلَمُ ، والعتابِ .. 
وكيفَ يرحمُ إنْ ظَلَمْ ..
لاَ شيءَ يا قلبي جديرٌ بالنّدَمْ ..
لمَ عدتَ تبحثُ  في البداهاتِ المُريبةِ عن يقينٍ  : 
هل تَعبتَ من السّفرْ ؟ 
هل عشتَ ما يكفِي لتحملَ كلَّ أحزانِ البشَرْ ؟
الأربعونَ مضتْ بلا أثرٍ ولم تُلْهِمْكَ منها حكمةً..
وكذلك العشرون زاغَتْ كانفِلاَتِ الرّمْلِ بينَ أصابعِي 
كرمادِ مِبْخَرةٍ على الشّبّاكِ  ..
يسكنُها الضّجَرْ ..
لمْ يبقَ غيرُ يدٍ مُبلّلةٍ بأوهامِ الطّفولةِ و المطرْ
كانتْ لأمّي سيرةُ العذراءِ ،
 لمْ ترَ في الزّحامِ سوى وجوهِ الصّالحاتِ ،
وكنتُ أسمعها تدندنُ خلفَ مِنْسَجِها القديمِ ، 
فأنْتَشِي حدَّ البكاءِ
وكانَ لي شيءٌ من السّحْرِ المُقَدَّسِ في تمائمِها الخفيّةِ دائِمًا 
وكأنّها تُصْغِي لأجراسِ القَدَرْ
لم تكترِثْ يومًا بألسِنةِ المَشِيبِ أو التّجاعيدِ الكثيرةِ ،
وهي تزحفُ فوقَ هامتِها ببطْءٍ كالرّمالْ ..
مازلتُ أذكرُ يومَ أخطأتُ الطّريقَ وعضّنِي كلبٌ فأثخنَ في يدي
ورجعتُ أبكي فوق ركبتِها و أمسِكُ ساعدِي
نظرتْ إليَّ بقسوةٍ فيها الدّلالْ ..
- قدْ قلتُ : لا يبكي الرّجالْ 
واليوم يا أمّي مضى زمنٌ طويلٌ عنْ حكاياتِ الصِّبَا لكنّني ..
مازلتُ لم أفهمْ تماما : كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
هلْ تُدركينَ و نحنُ مِسْخٌ في بلادِ القهرِ 
معنى أن تكونَ " إذا نزلتَ بِدارِ ذلٍّ " لا تَلِيها "فــارْحَلِ " 
هلْ تدركينَ بأنّنا منذ الولادةِ ينبتُ العُلِّيقُ في أفواهنا 
ونصيرُ شيئًا تافِهًا مثلَ الغسيلِ ، معلَّقًا فوق الحبالْ
كيفَ لا يبكي الرِّجالْ ؟؟
ومنِ الّذي يبكي إذنْ إن كان لا يبكي الرِّجالْ ؟؟
مَنْ أُجهضَتْ أحلامُهم وتكسّرتْ خلفَ المرايا مثلما شرفُ الصّبايا ... 
كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
من يزهدونَ كأنبياءٍ في أراجيح الطّفولةِ أو حماقاتِ الشّبابِ 
و يحلمون بجنّةٍ للصّابرينَ هنا على هذا التّرابِ 
و يعزفونَ و ينزفونَ و يحفظونَ الشّعرَ عن وطنٍ يُضيءُ قبورهمْ ..
لكنّهمْ يستنزفونَ العمْرَ في زنزانةٍ منسيّةٍ 
محفورةٍ ما بينَ أرحامِ الجبالْ 
كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
عندمَا يستيقظُ الأطفالُ قتلى في حجورِ النّائحاتِ 
ويسألونَ بِأيِّ ذنبٍ ؟ .. أيِّ ذنبٍ ؟ ... يرحلونْ ؟
ويزحفونَ على الرّمادِ إلى صدورِ الأمّهاتِ 
لكنّهمْ مَفْجُورةً يجدونَها تحتَ الرّكامِ تكسّرتْ فيها النّصالْ 
كيف لا يبكي الرّجالْ ؟؟
في حضرةِ امرأةٍ تُعِدُّ لهُ السّلاحَ و معطفَ السّفرِ الأخيرِ 

في آخر اللّيلِ القتيمِ تدورُ في رأسي عقاربُ ساعةٍ مَعْطوبةٍ للخلفِ ، 
أقرأُ سورةً أو سورتينِ وأستعيذُ منَ الشّياطينِ وزُوّارِ الظّلامْ 
عبثاً أحاولُ أن أنامْ 
أتحسّسُ الأشياءَ حولي مثلَ طفلٍ خائفٍ تتراقصُ الأشباحُ حولهُ وهو ينتظرُ الصّباحَ فلا يجيءُ 
و لايطاوعُهُ الكلامْ 
صورٌ تعشّشُ في مرايَا الصّمتِ  ، تشْربُ من ظلال الخوفِ ،
عاما تلوَ عامٍ تلوَ عامْ
تتكدّسُ الأشلاءُ في أرجاء ذاكرتي كبَيْض النّملِ ، 
أطلقُ صرخةً من شارعِ النّسيان  آهٍ منكِ يا شامُ ..!! 
فأسمعها تجلجلُ في بيوت القاهرهْ
آهٍ وآهٍ ثمّ آهٍ منكِ يا أمّ الدُّنى يا قاهرهْ !!
ماذا قهرتِ سوى بنيكِ الطّيّيّبينْ ؟!!
القابضينَ على ترابِكِ مثلَ جمرٍ ليسَ يبرُدُ منذُ آلافِ السّنينْ 

Aucun commentaire: