mercredi 21 août 2013

حَدِيثُ الظُّلمَةِ



على طَرَفٍ في البَقِيعِ وِشاحٌ شَفِيفٌ من الياسمينْ
وشاهدةٌ لا تَكادُ تُرَى ..
تحتَ ذاكَ الثَّرى
يَرْقُدُ العاشِقانِ رُفاتًا مُضَرَّجةً بالحنينْ
تمدُّ إليهِ يَديها فما من يَدَيْنِ
وتمسحُ فوق جبينِهِ ، ما منْ جَبِينْ ..
- صباحُكَ شَهْدٌ حبيبي .. أَنِمنا طَوِيلاَ ؟!
- كأنّهُ ما كانَ نومًا ولا سَكْرَةً في العناق ولا ظُلَّةً من سَحابْ
- أكان الغطاءُ ثَقِيلاَ ؟!
- وكان الظّلامُ أقلَّ اكْتِمالاَ ..
تُراوِدُهُ نجمةٌ في الغِيابْ
تُحاوِلُ أن تَتَحَسَّسَ شيئًا من اللاَّمكانِ ،
فراغٌ يَضيقُ ، و رَملٌ تَفحَّمَ تحتَ التُّرابْ..
- أفاجَأَنا  الموتُ ؟!...
هل كانَ أَسْرَعَ من أنْ نراهُ وَ ننزِلَ منْ طَرْفِ ثَوبِهِ ..؟
أم كان أَرْحَمَ من سَنَواتِ العَذابْ ...
- بَلَى كان أَقْرَبَ من شَفَتيكِ إلى شَفَتيَّ !
وكان يُشارِكُنا قهوَةَ الصُّبْحِ والاعتِرافَ،
ورَشَّ العُطُورِ على دَرجاتِ الثِّيابْ ..
أَيُوجِعُكِ الموتُ ؟ ..
- يُوجِعُنِي الخَوْفُ أَنْ لا تَكُونَ يداكَ على كَتِفيَّ إذا جاءَ يومُ الحِسابْ...
و يُوجِعُنِي البَرْدُ .. لَمْلِمْ عظامِيَ تحتَ جناحِكَ ،
واحزَنْ عَمِيقًا عميقَا ..
كما كنتَ تَفْعلُ حينَ تُجَنُّ الظُّنُونُ،
ويَقْسُو العِتابْ ..      
- اَتَذْكُرُ  ..! كانتْ لدَيْنا حياةٌ لِنُكْمِلَها ...
وفساتِينُ أَهدَيْتَنِيها ولم تَرَنِي يَومَ أَلْبَسُها ..
كانَ شَعْري قصيرًا وكنتَ تُحِبُّهُ أَطْوَلَ ،
تَضحكُ للموتِ حينَ يَشُمُّ رِداءَكَ : سوفَ نَشِيبُ رُويدًا رُوَيْدًا
ونُغْلِقُ دُونَكَ إِنْ زُرْتَنا كلَّ بابْ
أتَذْكُرُ ... كنّا هناكَ ،
يدي في العناقِ يَداكَ
وروحِي تُرفْرفُ مثل النّدى في خُطاكَ
ولكنّها اليَومَ ، كلّ المواعيدِ ، محضُ سرابْ
كَأَنِّي أُحبُّكَ أَوْ لا أُحِبُّكَ ..
قَلْبي تُرابٌ .. و عينايَ والشَّفتانِ ، وذاكرتي حَفْنَةٌ من تُرابْ
- كأنّكِ بَعْدُ هناكَ .....
يُفِيضُ الصَّباحُ إِذا هلَّ من شَفتَيْكِ حَريرَ الضِّياءِ
وتُلْقِينَ ظِلّكِ عندَ الظَّهيرةِ فوقَ الفراشاتِ والياسَمِينْ
وتَغْفُو على كَتِفيكِ طُيُورُ المَساءِ ..
كَأنّكِ بَعْدُ يَدُ اللّه ممدُودةٌ للعُصاةِ وللتّائِبِينْ
و أعرفُ أَنِّي حَمَلْتُكِ عُمرًا على صَهْوَةِ الرِّيحِ ،
أَهْرَقْتُ ماءَكِ في صَحَرائِي ولم يُزْهِرِ المِلْحُ ،
أَعْرِفُ أَنّيَ لم أُتْقِنِ العِشْقَ يومًا كما تَحْلُمِينْ
ولم أَحْتَفِلْ بِمَواسِمَ للحبِّ ،
لَم أَنْضُدِ الوردَ والجُلّنارَ ، ولم أُهْدِكِ الماسَ كالآخَرينْ
و أَعْرفُ أَنِّي حزينٌ بِلا سبَبٍ ..
وَغَريبٌ بِلا سَبَبٍ ...
وَجَمُوحٌ كَنهرٍ يَفيضُ شِتاءً وصيفًا ولا يَسْتَكِينْ ...
وَأَعرفُ ما لَسْتُ أَعرفُ ... لو تَعْرِفِينْ
ولكنّني رجُلٌ مُشْرَعٌ للحرائِقِ ،
تأكُلُ منّي العِظَامَ
فَتُورِقُ إن مَسّها منكِ ظِلٌّ وَأَمطرَها بالحنِينْ
كَأَنِّي أُحبُّكِ أَوْ لا أُحِبُّكِ ..
أُقْطَعُ منكِ فأَنبُتُ فيكِ
ولسنا سوى قَطْرتينِ من الماءِ تَلْتحِمانِ وتَفترقانِ بلا غُصّةٍ أو أَنِينْ
---------------------
ويصمُتُ .. تَصْمُتُ .. يَخْتَنِقُ الوقْتُ بينهما ويذُوبُ ..
ويَصْطَفِقُ اللاَّزمانُ على اللاَّمكانِ ..
يَمُدُّ التّرابُ يديه إلى خُلْوةِ النّائمينْ
يُحَشْرِجُ في الحلْقِ شيءٌ من الرّوحِ ، يَصْعَدُ بوحاً خفيضًا ،
يُعَطّرُ شاهدةً لا تَكادُ تُرَى ..
وَ ِوِشاحًا  شَفِيفًا من الياسمينْ
عبد اللطيف علوي / مارس 2010

Aucun commentaire: