lundi 18 août 2014

خواطر في تفسير النكبة المصرية


 ثمّة نهج في التفكير يُرادُ للملاحظ أن يذهب فيه ويحلل ويستنتج من خلاله ، لأنه - بقطع النظر عن صحته من عدمها - يحرف البوصلة عن أسباب المشكلة الحقيقة ، وهذه تقنية في التّضليل تدرّس وتثبت جدواها في ظلّ جوقات الإعلام الموجّه والمثقفين المأجورين ...
المشكلة ليست فيما إذا كان الإخوان قد أخطؤوا أم لا ؟؟ ... هذا دخول للموضوع من الباب الخطأ .. طبعا الإخوان أخطؤوا كما يخطئ أيّ تنظيم سياسيّ حاكم أو معارض على حدّ السّواء ( وهو حقّ بشريّ للأفراد والجماعات مادام لم يصل حدّ الخيانة العظمى أو الإضرار الجسيم بمصالح البلد أو الانتهاك الجسيم للحقوق والحرّيات ) وهي أشياء أجزم تماما أنّ الإخوان لم يقعوا فيها ...
غير ذلك يمكن أن نختلف في الأداء السياسي و ترتيب الأولويات ووضوح الرّؤيا وكلّ ما بدا لك ... أنا لو عدّدت أخطاء الإخوان سأكتب فيها صفحات ، وأستطيع أن أزايد في ذلك على كثيرين ... لكن المشكل ليس هنا ...
 هناك مشكلان منهجيّان ومعرفيّان في غاية الخطورة : 
الأوّل أنّه ماكانت لتوجد الدّيموقراطية كنظام اختيار ورقابة ومحاسبة ، لو كنّا نتعامل مع معصومين منزّهين ... العقل البشريّ توصّل إلى فلسفة الديموقراطية لأنها تمكن من محاسبة المخطئين ومعاقبتهم انتخابيّا ، وهذا هو الأسلوب المتحضّر الوحيد في تقييم تجارب الحكم في ظل أنظمة ديموقراطية ...
 المشكل الثّاني أنّ الانطلاق من أخطاء الإخوان كقاعدة تحليل يبدو في ظاهره صحيحا ... لكن من يدرس الحالة المصريّة من أبعاد مختلفة سيكتشف بدون عناء أنّ المؤامرة في مصر بدأت حتّى قبل صعود الإخوان ، حيث كان الجيش يضع سيناريوهات استلام السلطة حتى قبل ثورة 25 ، كان من المفروض أن تبدأ إجراءات توريث نجل مبارك  في ماي 2011، وتوقع الجيش اضطرابات تجتاح البلاد ، ففكر في سيناريو استلام السلطة ، لكن الثورة حدثت ، ففوقع تنفيذ الخطة في سياق مختلف ، ولكن بنفس الأهداف ...
أثناء الثورة قطع الجيش يدي مبارك : إحراق مقرات الداخلية و مراكز الحزب الوطني ( عن طريق بلطجية مأجورين ) ثمّ ضغط على مبارك للتّخلّي للمجلس العسكريّ ، وانتهت المرحلة الأولى من الخطة بنجاح ...
المرحلة الثانية كانت استدراج الإخوان إلى الفخّ السياسيّ بإحكام شديد للتضحية بهم فيما بعد والانقلاب عليهم ( الانقلاب على الإخوان أسهل بكثير من أي طرف آخر ، سيجدون الدّعم الكامل خارجيا من القوى المعروفة : أمريكا وإسرائيل والحليف الخليجي ، ومن القوى الداخلية المعروفة تاريخيا بعدائها المطلق للإخوان ، والاستفادة من كل عناصر المشهد المصري الفاسد : إعلام وقضاء وأمن ودولة عميقة ومجتمع عميق ...
يعني أنّ المنطلق صحيح : الإخوان أخطؤوا ، لكن محاولة تصوير ما حدث كأنه عقاب شعبي للإخوان نتيجة لذلك الخطأ هو التضليل الكامل ... لأنّ الأسباب الحقيقية تقع في منطقة أخرى من تشابك المصالح بشكل معقّد وأخطبوطيّ :
مصالح الجيش كقوة اقتصادية وكيان مستقلّ عن الدولة يستغلّ 40 بالمائة من مقدراتها ولا يخضع لرقابتها  ( هناك كتاب يفسر هذا الأمر بشكل مذهل وهو " جمهورية الضباط في مصر " )، وبذلك يصبح الانتقال إلى الطور المدنيّ انتحارا للمؤسسة العسكرية ، مصالح قوى الفساد الأمنيّ والقضائيّ التي تلبّست بالدولة حتى أنه لم يعد من الممكن الفصل بينهما وصار إسقاط الفساد يؤدّي آليّا إلى إسقاط الدّولة ( من يفهم هذه الحقيقة يفهم منهجيّة النهضة والإخوان في مصر في عدم الانجرار إلى حرب كاملة مباشرة مع الفساد في البلدين ، وتفضيلها لتمشّي الإصلاح التّحتيّ وعلى المدى البعيد )  ، مصالح النموذج الخليجيّ الّذي يهدّده منطق الربيع العربيّ وخاصة تصدر الإخوان للمشهد لكلّ ما نعرف  من الأسباب ، ومصالح الوكيل الأول للامبريالية العالمية ، إسرائيل ... لأنها كانت تخشى قيام تحالف تركي - مصري - قطري - وربما حتى ايراني يخنقها تماما ويعجل بفنائها ...
عندما نفكر يجب أن نضع كل هذه المعطيات المركبة المعقّدة المكونة للمشهد الجيوسياسي في المنطقة ونربط المسالك بعدها ... أمّا الوقوف عند أخطاء الإخوان ، فهو حقّ يراد به باطل ... لأنه كما أسلفت يحرف النظر تماما عن جوهر التناقض الواقع اليوم في بلدان الربيع العربيّ ، و يخدّر العقول بوصفات سهلة مضللة يسهل ترويجها للتعمية والتضليل ...
ـــــــــــــــ عبد اللّطيف علوي ــــــــــــــــــــــ

Aucun commentaire: