dimanche 3 août 2014

بورقيبة مرة أخرى ..


كنت في خرجة مع ابنتي الصّغرى ، أتعبتني فيها كثيرا ... وما أحلاه من تعب ، فعدت إلى البيت مهدودا وقد برّح بي ظهري أوجاعا لا تلين ... ولم تكن بي أية قدرة على النقاش أو رغبة فيه ، لكن تغريدة أحد الأصدقاء ،  استفزّتني إيجابا ، وإن كنت  أتفق معه في عموم القول ونختلف في التّحليل ...

ثمة من يريد أن يجعل لبورقيبة حصانة بعد الموت مثلما كان يستأثر لنفسه بالحصانة في حياته ، بدعوى اذكروا موتاكم بخير .. وما هو مفهوم الخير لديهم ؟ لا تنقدوه ولا تحركوا التراب البارد / أو الساخن تحت رأسه ..
التاريخ لا علاقة له بهذه الاعتبارات الأخلاقوية الدّياري .. التاريخ يقيم وينقد ويجرح ويعدل ويستخلص العبر ، أما مسألة الرحمة والعقاب ، فهي أمر إلاهي لا دخل لنا فيه 
احترام الميت لا يتعارض أبدا مع نقد سيرته وتحميله مسؤولية ما اقترفت يداه ، والتقييم السياسي لتلك المرحلة هو من صميم الأخلاق الوطنية والدينية على حدّ سواء ... 
احتفالات اليوم بعيد ميلاد بورقيبة هي احتفالات مأساوية ، لأنها إحياء لطقوسية استبدادية ودعائية عشناها سنين طويلة ، وكان يهدر فيها من المال العام ( طيلة شهر كامل ) في شكل جوائز للمتسابقين في مدحه وتأليهه من الفرق والشعراء وكل مصاصي الدم الشعبي .. أتذكرها جيدا : حضرات في كل ولاية ومعتمدية طيلة أسابيع ( أما في القصر فلا تحدّث ..) 
بعد ذلك يأتي من لا يستحي ليقول لنا بورقيبة لم يسرق .. وما هو مفهومك للسرقة ياروح أمك ؟؟ كل تصرف في غير ما  تملك بدون وجه حق  هو خيانة مؤتمن وسرقة موصوفة ... بالملايين الملايين ...
أكثر من ذلك يدهشني نبوغ بعض الأكاديميين أو المحايدين جدّا حين ينسّبون الأمر بكلّ بساطة ويخرجونه من إطار التقييم التاريخي ، ويقولون لك بكل اطمئنان منهجي : لقد كان بشرا ككل الناس يخطئ ويصيب ... وبالتالي لا تشيطنوه ولا تؤلّهوه ... مالا آش نعملولوا؟ ...

الكلام بهذه العمومية والمعيارية يمكن أن يصح في تقييم أخلاقي لأي إنسان عاديّ ، ليس لزعيم سياسي صنع تاريخ بلد كامل لستين عاما ( بحلوه ومرّه و مرّه ومرّه .. )

نحن نريد أن يفتح الباب دون حصانة ، لتقييمه تقييما حرّا عامّا مباشرا وغير سرّي .. ولن ننحو إلى ذلك مادمنا نطبطب على مشاعره في القبر ، ونراعي خواطر الناسكين على قبره ... عندما تقولون هو أخطأ في أشياء ، هات نتّفق أولا في حدود التمييز بين الخطأ والجريمة ، وسنرى إن كان أخطأ أم أجرم ؟؟
- هل قتل المعارضين خطأ أم جريمة ..( الآلاف : يوسفيين ومعارضين ..)
- هل ارتهان الدولة لشمولية الحزب الواحد أخطاء أم جرائم ؟
- هل السجن والتعذيب أخطاء أم جرائم ؟
- هل تفقير جهات بأكملها لعقود طويلة والتسبب في مآسي اجتماعية وحضارية  خطأ أم جريمة ؟
- هل التّآمر مع المحتل لضرب المقاومين الذين لم يسلموا الأسلحة خطأ أم جريمة ؟
- هل فتح الباب للعائلات المافيوية للتحكم في مصير البلد خطأ أم جريمة ظ
- هل توريثنا للكلب بن علي خطأ أم جريمة ؟ أليس هو من أتى ببن علي وملّكه رقابنا لعقدين آخرين خطأ أم جريمة ؟
بعيدا عن العموميات التي لا غاية منها سوى تسطيح الموضوع وتمييعه و قمع النقاش حوله ، لن يكون لهذا الجدل أيّ معنى مادامنا ننطلق من مقولات ياسيد الأسياد أو أخلاقويات عامّية لا دينية ( من حيث السياق ) من نوع اذكروا محاسن موتاكم ، فهذا الحديث لا يصحّ بإطلاق ... لا يصحّ في باب المواجهة التاريخية لأزماتنا وانتكاساتنا .
( يتبع ) 
ــــــــــــــــــــــــ عبد اللطيف علوي ــــــــــــــــــــــ

Aucun commentaire: